. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى التَّأْلِيفِ. وَالْوَاوُ فِي وَبَعْدُ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلَاثَةً:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ، وَأَمَّا مُقَدَّرَةً فِي الْكَلَامِ وَالْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ نَائِبَةً عَنْ أَمَّا وَالْفَاءُ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ الْوَاوِ النَّائِبَةِ عَنْ أَمَّا، وَهَذِهِ الْوَاوُ أَلْغَزَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
وَمَا وَاوٌ لَهَا شَرْطٌ يَلِيهِ ... جَوَابٌ قَرْنُهُ بِالْفَاءِ حَتْمًا
أَجَابَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
هِيَ الْوَاوُ الَّتِي قُرِنَتْ بِبَعْدِ ... وَأَمَّا أَصْلُهَا وَالْأَصْلُ مَهْمَا
وَاخْتَصَّتْ الْوَاوُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَمَّا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِئْنَافِ كَأَمَّا.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ وَأَمَّا مُقَدَّرَةٌ وَبَعْدُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا يَكُنْ أَوْ أَمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الشَّرْطِ، أَوْ يَقُولُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الْجَزَاءِ، وَرَجَّحَهُ السَّعْدُ وَغَيْرُهُ لِكَوْنِ الْجَزَاءِ حِينَئِذٍ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ مُطْلَقٍ أَيْ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ.
[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى التَّأْلِيفِ حَيْثُ أَتَى بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ قَوْلُهُ: (فَقِيرُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ الْفَقْرُ، أَيْ الْحَاجَةُ أَوْ أَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فَمَعْنَاهُ كَثِيرُ الْفَقْرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ فَقِيرٍ صِفَةٌ لِمُذَكَّرٍ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمُؤَنَّثُ قِيلَ فَقِيرَةٌ بِالْهَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ فَعِيلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ إنْ تَبِعَا مَوْصُوفَهُمَا، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفًا غَالِبًا التَّا تَمْتَنِعْ
وَأَضَافَ الْفَقِيرُ إلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ لِدَفْعِ إيهَامِ فَقْرِ الدُّنْيَا أَوْ الْقَلْبِ وَاخْتَارَ لَفْظَ الرَّبِّ لِإِفَادَةِ الْحُنُوِّ وَالرَّأْفَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ مُرَبِّي الشَّيْءِ قَوْلُهُ: (الْقَرِيبِ) قُرْبًا مَعْنَوِيًّا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ بِأَحْوَالِ الْعَبِيدِ وَقَوْلُهُ: (الْمُجِيبِ) أَيْ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْإِجَابَةِ تَرَتُّبُ نَفْعٍ عَلَى الدُّعَاءِ إمَّا بِعَيْنِ مَا طَلَبَ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ كُلُّ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ اللَّهُ الْإِجَابَةَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُجِيبُ أَصْلُهُ الْمَجُوبُ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَوَابِ فَهُوَ وَاوِيٌّ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى الْجِيمِ فَصَارَ مَجُوبٌ وَقَعَتْ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ إثْرَ كَسْرٍ قُلِبَتْ يَاءً فَصَارَ مُجِيبٌ.
قَوْلُهُ: (مُحَمَّدٌ) بَدَلٌ مِنْ فَقِيرٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ مَدَابِغِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ فَقِيرًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَهِيَ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ وَمُحَمَّدٌ مَعْرِفَةٌ بِالْعَلَمِيَّةِ وَعَطْفُ الْبَيَانِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ فَلَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (الشِّرْبِينِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى بَلَدِهِ، وَالْخَطِيبُ لَقَبُهُ الَّذِي اُشْتُهِرَ بِهِ أَيْ الْخَطِيبُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ. قَوْلُهُ: (إنَّ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ) جُمْلَةٌ مَحْكِيَّةٌ بِالْقَوْلِ، فَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ وَقَوْلُهُ: (الْعَالِمُ) أَيْ الْمُتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَإِذَا أُطْلِقَ الْعَالِمُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُتْقِنُ لِكُلِّ عِلْمٍ وَهَذَا عَلَى جَعْلِ أَلْ فِي الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْعَالِمُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ جَعَلْنَاهَا لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ وَلَوْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعِلْمِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَصْفُ وَلَوْ بِإِتْقَانِ عِلْمٍ وَاحِدٍ وَإِذَا قُيِّدَ بِقَيْدٍ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِمْ عَالِمٌ فِي الْفَرَائِضِ أَوْ عَالِمٌ بِمَسْأَلَةِ كَذَا وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ فِي الْوَصِيَّةِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِعُلَمَاءِ الشَّرْعِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (الْعَلَّامَةُ) التَّاءُ فِيهِ لِتَأْكِيدِ الْمُبَالَغَةِ أَوْ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَمِثْلُهُ الْفَهَّامَةُ.
قَوْلُهُ: (الْحَبْرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْعَالِمُ وَبِكَسْرِهَا الْمِدَادُ أَيْ الَّذِي هُوَ كَالْمِدَادِ فِي النَّفْعِ بِهِ كَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ الْعَالِمُ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إتْقَانِهِ وَالْبَحْرُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ عِلْمِهِ وَالْفَهَّامَةُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ حَذْقِهِ وَذَكَائِهِ ق ل.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُنَا الْمُتْقِنُ لِيَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ الْعَالِمُ، وَجُمْلَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ إلَخْ ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مِنْهَا أَوْصَافٌ