وَيُفَارِقُهُ عِنْدَ عُرُوضِ الْمُبْطِلِ.
قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ أَنْ يَنْفُضَهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ شَوْكَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ خُفَّيْهِ حَتَّى يَنْفُضَهُمَا» .
فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ
هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ يُقَال تَيَمَّمَتْ فُلَانًا وَيَمَّمْته وَتَأَمَّمْته وَأَمَّمْته أَيْ قَصَدْته وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] وَشَرْعًا إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَخُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَعَلَى الْأَصَحِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُفِّ يَجْرِي فِي لُبْسِ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَغَيْرِهَا ق ل.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْفُضَهُمَا) وَسَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ خُفًّا فَجَاءَ طَائِرٌ أَخَذَهُ وَارْتَفَعَ بِهِ، فَسَقَطَتْ مِنْهُ حَيَّةٌ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ. . .» إلَخْ.
[فَصْلٌ فِي التَّيَمُّمِ]
ِ أَيْ: أَسْبَابِهِ: وَكَيْفِيَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَحْكَامِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْأَرْكَانُ. وَأَخَّرَهُ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُمَا، وَأَخَّرَهُ عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَهَارَةٍ، لَكِنْ تُبَاحُ بِهِ صَلَوَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَبِمَسْحِهِ يَتِمُّ رَفْعُ الْحَدَثِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَيُبَاحُ بِهِ فَرْضٌ وَنَوَافِلُ أَوْ نَوَافِلُ فَقَطْ، وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَى مَسْحِ الْخُفَّيْنِ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَعْضُ طَهَارَةٍ إطْفِيحِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَهَا.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ: تَيَمَّمْت فُلَانًا إلَخْ) حَاصِلُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعَةٌ. وَالْأَوَّلَانِ مِنْهُمَا مَصْدَرُهُمَا تَيَمُّمًا وَمَصْدَرُ الثَّالِثِ تَأَمُّمًا وَمَصْدَرُ الرَّابِعِ تَأْمِيمًا.
قَوْلُهُ: (وَأَمَمْته) بِوَزْنِ ضَرَبْته اهـ كَذَا قَالَهُ م د وَفِي الْمُخْتَارِ أَمَّهُ مِنْ بَابِ رَدَّ وَأَمَّمَهُ تَأْمِيمًا وَأَمَّمَهُ إذَا قَصَدَهُ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ وَأَمَّمْته بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ لَا بِتَخْفِيفِهَا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْمِصْبَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا أَمَمْته مُخَفَّفًا فَمَعْنَاهُ ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَمَمْته بِالْعَصَا أُمَمًا مِنْ بَابِ طَلَبَ إذَا ضَرَبْت أُمَّ رَأْسِهِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى إلَخْ) وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَيَمَّمْتُكُمْ لَمَّا فَقَدْت أُولِي النُّهَى ... وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ بِالتُّرْبِ
قَوْلُهُ: (تُنْفِقُونَ) حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي: وَلَا تَيَمَّمُوا.
قَوْلُهُ: (إيصَالُ التُّرَابِ) أَيْ بِنِيَّةٍ وَتَرْتِيبٍ، أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَشْمَلُ الرُّكْنَ وَتَعْبِيرُهُ بِإِيصَالِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ فِي التَّحْرِيرِ بِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا يُشْعِرُ بِالنَّقْلِ بِخِلَافِ عِبَارَتِهِ. قَوْلُهُ: (فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ) عِبَارَةُ ح ل: وَفُرِضَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْفَقْدُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيِّرُ إلَى السَّهْلِ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَقِيلَ عَزِيمَةٌ. وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. قَالَ: وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ. قَالَ سم: وَجَعَلُوا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، فَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ وَجْهَانِ اهـ. أَيْ: وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْفَقْدُ حِسًّا فَعَزِيمَةٌ، وَإِلَّا فَرُخْصَةٌ، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَوْفَقُ بِمَا يَأْتِي مِنْ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ قَبْلَ التَّوْبَةِ إنْ فَقَدَ الْمَاءَ حِسًّا، وَبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ قَبْلَهَا إنْ فَقَدَهُ شَرْعًا كَأَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ. اهـ. ع ش إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ) وَأَبْدَى الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِيزَانِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي عَدَمِ مَسْحِ