للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مِنْهَا خَبَرُ: «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ. وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» وَمِنْهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ؛ وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ. وَقِيلَ: إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (وَالْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ وَشَرْعًا الذَّبِيحَةُ عَنْ الْمَوْلُودِ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]

ِ الْأَوْلَى تَسْمِيَتُهَا ذَبِيحَةٌ وَنَسِيكَةٌ، أَيْ لِمَا فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالْعُقُوقِ فَالتَّسْمِيَةُ بِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، أَيْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا عَقِيقَةً وَذَكَرَهَا بَعْدَ الْأُضْحِيَّةِ لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا تُخَالِفُهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ طَبْخُ مَا يُدْفَعُ مِنْهَا لِلْفُقَرَاءِ وَأَنْ تُعْطَى رِجْلُهَا نِيئَةً لِلْقَابِلَةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِيمَا يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ) : أَيْ الْعَقِيقَةُ أَيْ الْعَقُّ بِهَا لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ اسْمٌ لِلذَّبِيحَةِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا لَيْسَتْ سُنَّةً وَإِنَّمَا السُّنَّةُ الْعَقُّ بِهَا.

قَوْلُهُ: (سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّنَا وَاجِبَةٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: مُؤَكَّدَةٌ فَيُثَابُ عَلَى فِعْلِهَا فَإِنْ نَذَرَهَا وَجَبَتْ. قَوْلُهُ: (الْغُلَامُ) لَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَالِدَيْنِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَقَصْدُ حَثِّهِمْ عَلَى فِعْلِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا فَالْأُنْثَى كَذَلِكَ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مُرْتَهَنٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَحْبُوسٌ فَشَبَّهَهُ بِعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ مُرْتَهِنٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ فَمَاتَ طِفْلًا لَا يَشْفَعُ فِي أَبَوَيْهِ كَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاسْتَجْوَدَهُ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِأَنَّ شَفَاعَةَ الْوَلَدِ فِي وَالِدِهِ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَبِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ يَشْفَعُ فِي غَيْرِهِ إنَّهُ مُرْتَهَنٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعَقِيقَةَ سَبَبٌ لِفِكَاكِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، الَّذِي طَعَنَهُ حَالَ خُرُوجِهِ فَهِيَ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ حَبْسِ الشَّيْطَانِ لَهُ فِي أَسْرِهِ وَمَنْعُهُ لَهُ فِي سَعْيِهِ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ: وَهُوَ تَفْسِيرُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِحَاطَتُهُ بِالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ثَبَتَ فِيهِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ) أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ أَيْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَةُ وَالِدِيهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَيَشْمَلُ الْوَالِدَ وَإِنْ عَلَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَمْ الْأُمِّ. ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ إذَا عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ هَلْ يَشْفَعُ فِي أَبَوَيْهِ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَقِيقَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ ذَبْحُهَا لَا هِيَ نَفْسُهَا لِأَنَّهَا الْحَيَوَانُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ) مِنْ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا الذَّبِيحَةُ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّ مِنْ الْعَقِيقَةِ مَا يُذْبَحُ قَبْلَ حَلْقِ الشَّعْرِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَمَا يُذْبَحُ وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ حَلْقُ شَعْرٍ مُطْلَقًا فَإِنَّ الذَّبْحَ عِنْدَ حَلْقِ الشَّعْرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، بِأَنْ يَكُونَ يَوْمَ السَّابِعِ وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي الْحَقِيقَةِ تَأَمَّلْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ) هَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ الْعَقِيقَةُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ فَقَوْلُهُ: عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِهِ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَأَصْلُ السُّنَّةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ) وَهِيَ الذَّبِيحَةُ وَقَوْلُهُ: بِاسْمِ سَبَبِهِ أَيْ وَهُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْحَلْقِ سَبَبًا لِلتَّسْمِيَةِ وَلَا يَصِحُّ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ الْحَلْقُ يُسَمَّى عَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ السَّبَبُ الْبَعِيدُ. وَهُوَ الشَّعْرُ لِأَنَّ الشَّعْرَ سَبَبٌ لِلْحَلْقِ وَالْحَلْقُ سَبَبٌ لِلذَّبْحِ، وَفِي كَوْنِ الْحَلْقِ سَبَبًا لِلذَّبْحِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ مَذْبَحَهَا يُعَقُّ أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ وَقِيلَ سُمِّيَ الشَّعْرُ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يُعَقُّ أَيْ يُزَالُ قَالَ الرَّشِيدِيُّ: اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلَا تَظْهَرُ لَهُ مُلَاءَمَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>