(ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ) فَقَطْ
، وَأَمَّا دَمُ الْفَسَادِ الْخَارِجِ قَبْلَ التِّسْعِ، وَدَمُ الْآيِسَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمُ فَسَادٍ: الْأَوَّلُ (دَمُ الْحَيْضِ وَ) الثَّانِي دَمُ (النِّفَاسِ وَ) الثَّالِثُ دَمُ (الِاسْتِحَاضَةِ) وَلِكُلٍّ مِنْهَا حَدٌّ يُمَيِّزُهُ.
(فَالْحَيْضُ) لُغَةً السَّيَلَانُ تَقُولُ الْعَرَبُ حَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ صَمْغُهَا وَحَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ تَقْضِيهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ (وَهُوَ) الدَّمُ (الْخَارِجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) أَيْ مِنْ أَقْصَى رَحِمِهَا (عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ) احْتِرَازًا عَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَالْمَنِيِّ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ مِنْ الدِّمَاءِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ، بَلْ هُنَاكَ غَيْرُهَا كَدَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الدِّمَاءُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَرَضُ عَلَى الشَّارِحِ، وَيُقَالُ: مَا مُرَادُك بِالْأَحْكَامِ الَّتِي نَفَيْتَهَا عَنْ دَمِ الصَّغِيرِ وَالْآيِسَةِ؟ إنْ أَرَدْت أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَيْ الْأَحْكَامَ الْمُحَرَّمَةَ بِالْحَيْضِ فَهِيَ مَنْفِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ الَّتِي فِي الْمَتْنِ فَكَأَنَّ الْمَتْنَ يُسْقِطُهُ أَيْضًا. وَإِنْ أَرَدْتَ أَحْكَامَ الِاسْتِحَاضَةِ فَهِيَ لَيْسَتْ مَنْفِيَّةً عَنْ دَمِ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ، بَلْ ثَابِتَةً لَهُمَا كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ لِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَحَذْفَ قَوْلِهِ: وَأَمَّا دَمُ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ، هَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُيُودِ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْبَوْلِ، فَلَا تَمْنَعُ صَلَاةً، وَلَا صَوْمًا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الدِّمَاءِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ، بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الدِّمَاءِ فَهُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَدَمُ الْآيِسَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى عُمُومِهِ قَوْلُهُمْ: إنَّ اسْتِقْرَاءَ سِنِّ الْيَأْسِ نَاقِصٌ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ خَوَاصُّ الْحَيْضِ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُحْتَدِمًا لَذَّاعًا فِي دَمِهَا بَعْدَ سِنِّهِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى هَذَا الدَّمِ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَمُهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ أَيْ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ.
[دَمُ الْحَيْضِ]
قَوْلُهُ: (فَالْحَيْضُ) لَمْ يَقُلْ فَدَمُ الْحَيْضِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسَمَّى دَمَ الْحَيْضِ يُسَمَّى حَيْضًا سم.
قَوْلُهُ: (لُغَةً السَّيَلَانُ) وَمِنْهُ الْحَوْضُ لِحَيْضِ الْمَاءِ أَيْ سَيَلَانِهِ فِيهِ، وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ يَتَعَاقَبَانِ أَيْ يَأْتِي أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (إذَا سَالَ) أَيْ مَاؤُهُ.
قَوْلُهُ: (دَمِ جِبِلَّةً) أَيْ سَيَلَانُ دَمِ جِبِلَّةٍ لِيَكُونَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ مُنَاسَبَةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا آخَرَ غَيْرَ مَا فِي الْمَتْنِ، فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ النِّفَاسَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ تَمَامِ تَعْرِيفِ الْمَتْنِ فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ، وَأَيْضًا يَمْنَعُ مِنْهُ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِدَمِ الْجِبِلَّةِ اهـ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ اج: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ إيضَاحٌ؛ إذْ قَوْلُهُ: " جِبِلَّةٍ " يُغْنِي عَنْهُ اهـ. وَالْإِضَافَةُ فِي دَمِ جِبِلَّةٍ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ أَيْ دَمٌ مُسَبَّبٌ وَنَاشِئٌ عَنْ الطَّبِيعَةِ. قَوْلُهُ: (الْمَرْأَةُ) أَيْ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ وَلَوْ حَامِلًا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ. قَالُوا: وَسَبَبُ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْحَامِلِ ضَعْفُ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ يَتَغَدَّى بِدَمِ الْحَيْضِ، فَإِذَا ضَعُفَ الْوَلَدُ فَاضَ الدَّمُ، وَخَرَجَ ثُمَّ إنَّ الضَّعْفَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي الْأَشْفَاعِ مِنْ الشُّهُورِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَقْوَى فِي الْفَرْدِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَنْ وُلِدَ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ يَعِيشُ وَمَنْ وُلِدَ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا يَعِيشُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. فَائِدَةٌ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا كَانَ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي وَلَدِهَا، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى التِّسْعَةِ كَانَ ذَلِكَ تَمَامًا لِمَا نَقَصَ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ أَقْصَى رَحِمِهَا) وَالرَّحِمُ جِلْدَةٌ دَاخِلَ الْفَرْجِ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَنِيُّ ثُمَّ تَنْكَمِشُ عَلَيْهِ فَلَا تَقْبَلُ مَنِيًّا غَيْرَهُ وَلِهَذَا جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ لَا يَخْلُقُ وَلَدًا مِنْ مَاءَيْنِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ أَيْ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ وَالرَّحِمُ وِعَاءُ الْوَلَدِ وَهُوَ جِلْدَةٌ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ بِعِرْقٍ عَلَى صُورَةِ الْجَرَّةِ الْمَقْلُوبَةِ فَبَابُهُ الضَّيِّقُ مِنْ جِهَةِ الْفَرْجِ وَوَاسِعُهُ مِنْ أَعْلَاهُ وَيُسَمَّى بِأُمِّ الْأَوْلَادِ شَيْخُنَا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْمُتَأَمِّلِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا صِفَةُ رَحِمِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ خِلْقَتَهَا