كَالْجَمَلِ وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلَافِهَا. أَمَّا إذَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْهَا إتْلَافُ مَا ذُكِرَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ مَا ذُكِرَ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الْقَفَّالُ عَنْ حَبْسِ الطُّيُورِ فِي أَقْفَاصٍ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ إذَا تَعَهَّدَهَا صَاحِبُهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ تُرْبَطُ. وَلَوْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ جُمُوحٌ وَدَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ، فَعَضَّهُ الْكَلْبُ، أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ. فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ.
فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ جَمْعُ بَاغٍ وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِظُلْمِهِمْ وَعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩]
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا وَأَشْرَفَ عَلَى أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ مِنْ الْهَوَاءِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: دَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ ثُمَّ إنَّ مَا هُنَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّوْضِ فِي الْجِنَايَاتِ: وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا إلَيْهِ رَجُلًا فَعَقَرَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي كَلْبٍ فِي الدَّارِ وَمَا هُنَاكَ فِي كَلْبٍ خَارِجَهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. .
[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ]
ِ هَذَا شُرُوعٌ فِي طَوَائِفَ ثَلَاثَةٍ جَوَّزَ الشَّارِعُ لَنَا قِتَالَهُمْ: الْبُغَاةِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارِ. وَذَكَرَ الْبُغَاةَ بَعْدَ الصِّيَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى الطَّاعَةِ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَبْعَثَ. . . إلَخْ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَمُسْتَنَدُهُ فِعْلُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ وَقَاتَلَ أَهْلَ صِفِّينَ بِالشَّامِّ وَأَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَأُخِذَ قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأُخِذَ قِتَالُ الْكُفَّارِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ: (جَمْعُ بَاغٍ) وَأَصْلُ بُغَاةٍ بُغَيَةٌ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَيُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ عَلَى التَّاءِ كَقُضَاةٍ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ لِانْقِلَابِهَا عَنْ أَصْلٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ) أَيْ مَا حَدَّهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ لُغَةً كَذَلِكَ. فَفِي الْمُخْتَارِ الْبَغْيُ التَّعَدِّي وَبَغَى عَلَيْهِ اسْتَطَالَ وَبَابُهُ رَمَى وَكُلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ فَهُوَ بَغْيٌ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَمِنْ كَوْنِ الْبَغْيِ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ سُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ بَغِيَّةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فَصْلُ الْبُغَاةِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهِ يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْآيَةُ لَا تُثْبِتُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: ٩] تَثْنِيَةُ طَائِفَةٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ. «نَزَلَتْ فِي رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَرَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لَمَّا اقْتَتَلَا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: " اقْتَتَلُوا " لَمْ يَقُلْ اقْتَتَلَتَا بَلْ جَمَعَ مُرَاعَاةً لِأَفْرَادِ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَعْنَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] الْأَوَّلُ إبْدَاءُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ، وَالثَّانِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ الْعَدْلِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ) هَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَغْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْبَيْعَةُ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِمَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْإِمَامِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَحَيْثُ اسْتَقَلُّوا بِالْقِتَالِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْإِمَامِ فَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ الْحَقِّ