للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْسِ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ، أَوْ تَبَاعُدٍ لِقَاءً عُرْفًا فَسُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ.

وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَعِلْمٍ وَزُهْدٍ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغِنَاهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ، وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَتَفْخِيمًا.

فَصْلٌ: فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَزَوْجٌ وَوَلِيٌّ وَهُمَا الْعَاقِدَانِ، وَشَاهِدَانِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا الْوَلِيُّ. وَالشَّاهِدَانِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: فَيَتَصَافَحَانِ.

قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مُعَانَقَةَ الْغَائِبِ إذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَا دَلِيلَ هُنَا عَلَيْهَا اهـ مُنَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ) أَيْ لِغَيْرِ مُشْتَهَاةٍ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ بِغَيْرِ حَائِلٍ فِي الْأَجَانِبِ مُطْلَقًا ق ل.

قَوْلُهُ: (فَسُنَّةٌ) أَيْ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَيُسْتَثْنَى الْأَمْرَدُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ لِصَلَاحٍ وَنَحْوِهِ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَنَحْوُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِهِمَا نَحْوُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُظَمَاءِ فَلَا يُسَنُّ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَقَدْ يَجِبُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) أَيْ التَّقْبِيلُ الْمَذْكُورُ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَهْلِ الْفَضْلِ) خَرَجَ غَيْرُهُمْ فَلَا يُطْلَبُ إلَّا لِحَاجَةٍ، أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ حَاجَةٌ أَوْ ضَرُورَةٌ، كَأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ لَهُ. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ صَارَ قَطِيعَةً وَخَرَجَ بِالْقِيَامِ نَحْوُ الرُّكُوعِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ، فَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا يُنَافِي سَنَّ الْقِيَامِ لِمَنْ ذُكِرَ.

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقَامَ لَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَقُومُوا لَهُ إذَا مَرَّ بِهِمْ فَمَرَّ يَوْمًا بِحَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ وَأَنْشَدَ:

قِيَامِي لِلْعَزِيزِ عَلَيَّ فَرْضٌ ... وَتَرْكُ الْفَرْضِ مَا هُوَ مُسْتَقِيمُ

عَجِبْت لِمَنْ لَهُ عَقْلٌ وَفَهْمٌ ... يَرَى هَذَا الْجَمَالَ وَلَا يَقُومُ

وَقَدْ أَقَرَّهُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» . وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّ مُرَاعَاةَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ أَدَبٌ وَزِيَادَةٌ؛ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِالزِّيَادَةِ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ مَعَ اسْتِلْزَامِهَا لِلْأَدَبِ مَعَهُ بِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَامِلُ عَلَى هَذَا النَّهْيَ، وَأَمْثَالُهُ شِدَّةُ التَّوَاضُعِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا صَحِبَتْهُ الْمَحَبَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ يُبَالَ بِالْقِيَامِ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا شَرْعًا مِنْ فَاعِلِهِ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ الَّذِينَ هُوَ سَيِّدُهُمْ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: «قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» فَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْ مَحَبَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (لَا رِيَاءً) أَيْ لِنَفْسِهِ، وَلَا تَفْخِيمًا لِنَفْسِهِ.

[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]

ِ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّكَاحَ مَعْنَاهُ الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا لَمْ تَتَرَكَّبْ مِنْهَا مَاهِيَّتُه كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِالْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَا تَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْمَاهِيَّةُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْكَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَشْمَلُ الْأُمُورَ الْخَارِجَةَ كَمَا هُنَا كَالشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّهُمَا خَارِجَانِ عَنْ مَاهِيَّةِ النِّكَاحِ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَهُمَا بَعْضُهُمْ شَرْطَيْنِ.

قَوْلُهُ: (صِيغَةٌ) وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ وَلَوْ مِنْ هَازِلٍ شَرْحُ م ر. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الصَّدَاقُ رُكْنًا بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>