للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تَحْصُلُ بِعَمَلِهِ.

فَصْلٌ: فِي الْإِجَارَةِ

وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَفَتْحِهَا لُغَةً اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَشَرْعًا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ بِشُرُوطٍ تَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: ٦] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرًا الْعَقْدُ فَتَعَيَّنَ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» وَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ صِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ وَعَاقِدَانِ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَحَدِ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً مَعْلُومَةً قَابِلَةً لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) مُدَّةَ الْإِجَارَةِ (صَحَّتْ إجَارَتُهُ)

بِصِيغَةٍ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، كَأَجَرْتك هَذَا الثَّوْبَ مَثَلًا فَيَقُولُ الْمُسْتَأْجِرُ: قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت. وَتَنْعَقِدُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا: أَجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ إلَخْ) . صُورَةُ ذَلِكَ: خُذْ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَاجْرِ وَرَاءَهَا وَلَك نِصْفُ مَا حَصَلَ مِنْهَا مَثَلًا. وَصُورَةُ الثَّانِيَةِ: خُذْ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَأَلْقِ نَظَرَك عَلَيْهَا وَمُؤْنَتُهَا مِنْ عِنْدِي، فَالْفَوَائِدُ كُلُّهَا لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الْأُولَى، وَكَذَا الثَّانِيَةُ إنْ كَانَ عَمَلُهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَعَهَّدُهَا) كَمَا يَقَعُ لِلْفَلَّاحِينَ حَيْثُ يُعْطِي أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عِجْلًا مَثَلًا لِيُرَبِّيَهُ وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا.

قَوْلُهُ: (لَا تَحِلُّ بِعَمَلِهِ) وَهُوَ التَّعَهُّدُ.

[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]

ِ مِنْ آجَرَهُ بِالْمَدِّ يُؤَاجِرُهُ إيجَارًا. وَيُقَالُ أَجَرَهُ بِالْقَصْرِ يَأْجُرُهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا أَجْرًا ق ل. وَذَكَرَهَا بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهَا فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ.

قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ) وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ م ر، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ مُنَاسَبَةٌ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الشَّرْعِيِّ.

قَوْلُهُ: (تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ) أَيْ بِصِيغَةٍ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " تَمْلِيكُ " عَقْدُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِهِ الِانْتِفَاعُ ح ل، وَكَذَا تَخْرُجُ بِهِ الْعَارِيَّةُ، وَهِيَ خَارِجَةٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: " بِعِوَضٍ " قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا) أَيْ الْأُجْرَةَ بِمَعْنَى الْمُسَمَّى الْعَقْدُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَجِبُ بِلَا عَقْدٍ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ الشَّرِكَةُ أَوْ الْمُسَاقَاةُ أَوْ الْقِرَاضُ.

قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَمَامِ الْمُدَّةِ ح ل؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ وُجُوبِهَا، كَمَا إذَا خَرِبَتْ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ مَرْحُومِيٌّ: وَرُدَّ بِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَبَيَّنُ عَدَمُ الِاسْتِقْرَارِ. وَتَوَقَّفَ شَيْخُنَا فِي قَوْلِهِ: " ظَاهِرًا " وَقَالَ: لَا مَفْهُومَ لَهُ. اهـ. س ل، بَلْ الْعَقْدُ يُوجِبُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَوْلُهُ: (فَتَعَيَّنَ) أَيْ لِإِيجَابِ الْأُجْرَةِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ الْحَاجَةَ) بَلْ الضَّرُورَةَ؛؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ، وَهُوَ الِاضْطِرَارُ.

قَوْلُهُ: (فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (بَيْعُ الْأَعْيَانِ) أَيْ لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَعَاقِدَانِ) الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهَا أَرْبَعَةً أَنْ يَقُولَ: وَعَاقِدٌ.

قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةً) مَنْفَعَةً مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ. وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ ثَمَانِيَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: " وَالْإِبَاحَةُ " وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُمَا قَيْدٌ وَاحِدٌ لِتَلَازُمِهِمَا، فَإِنَّ مَا يَقْبَلُ الْبَذْلَ لَا يَكُونُ حَرَامًا لِذَاتِهِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَالْإِبَاحَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (هَذَا الثَّوْبَ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>