ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَقَالَ (إلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ) أَيْ لِلتَّغَذِّي قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ مَاءً يَعُمُّهُ وَيَغْمُرُهُ بِلَا سَيَلَانٍ، بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ: «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» . وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِائْتِلَافَ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ يَكْثُرُ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حُكِمَ بِهَا بِالشَّكِّ أَيْ مَعَ الشَّكِّ.
[حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ]
قَوْلُهُ: (إلَّا بَوْلَ. . . إلَخْ) الْبَوْلُ قَيْدٌ أَوَّلُ، وَالصَّبِيُّ أَيْ الذَّكَرُ الْمُحَقَّقُ قَيْدٌ ثَانٍ، وَاَلَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ قَيْدٌ ثَالِثٌ، وَقَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ قَيْدٌ رَابِعٌ، وَالْمُرَادُ بِبَوْلِ الصَّبِيِّ: الْخَالِصُ، وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ ثُمَّ تَطَايَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الطُّوخِيِّ، وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ مُخْتَلَطًا بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَ مُتَطَايِرًا مِنْ ثَوْبِ أُمِّهِ وَخَرَجَ بِالْبَوْلِ غَيْرُهُ كَقَيْءٍ وَغَائِطٍ، وَذَهَبَ لِطَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَبَاطِلَةٌ: رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ اللَّبَنِ حَتَّى الْمَاءُ بَلْ يَشْمَلُهُ لَفْظُ الطَّعَامِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ سِوَى اللَّبَنِ اهـ. قَالَ سم: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُمِّهِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي لَبَنِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بَيْنَ اللَّبَنِ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالنَّجِسُ، وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَإِنْ وَجَبَ تَسْبِيعُ فَمِهِ لَا سَمْنِهِ وَجُبْنِهِ. اهـ. ق ل. قَالَ ح ل: وَمِنْ الطَّعَامِ السَّمْنُ وَلَوْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْجُبْنَ الْخَالِيَ مِنْ الْإِنْفَحَةِ لَا يَضُرُّ وَكَذَا الْقِشْطَةُ وَلَوْ قِشْطَةَ غَيْرِ أُمِّهِ. اهـ. ح ف.
قَوْلُهُ: (أَيْ لِلتَّغَذِّي) بِأَنْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ أَصْلًا أَوْ أَكَلَهُ لَا لِلتَّغَذِّي بَلْ لِلْإِصْلَاحِ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) أَيْ مَعَهُ أَوْ فَالْمَعِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِالْقَبَلِيَّةِ اهـ. قَالَ ابْنُ شَرَفٍ: فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ زِيَادَةِ يَوْمَيْنِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَيْنِ تَحْدِيدِيَّةٌ هِلَالِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ق ل وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ سَهْوًا وَتُحْسَبُ مِنْ انْفِصَالِهِ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ اجْتِنَانِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِهِ كُلِّهِ وَلَوْ خَرَجَ الْبَعْضُ وَقَعَدَ هَكَذَا سِنِينَ، وَالظَّرْفُ أَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَوْلٍ وَلَمْ يَأْكُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ أَيْ بَوْلُهُ الْكَائِنِ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ، فَلَوْ بَالَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَكْفِ النَّضْحُ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا وَلَوْ أَصَابَهُ بَوْلُ صَبِيٍّ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فَهَلْ يَكْتَفِي بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؟ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ الثَّانِيَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ، وَالرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهِمَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْبَوْلُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا أَوْ أَنَّ الْبَوْلَ مِمَّا بَعْدَهُمَا أَوْ قَبْلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالنَّضْحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ، وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ) وَلَا يَضُرُّ طَرَاوَةُ مَحَلِّهِ بِلَا رُطُوبَةٍ تَنْفَصِلُ مِنْهُ، وَتَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْصَافِ مَعَ الرَّشِّ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ، وَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ) بِأَنْ يُفَارِقَ الْمَاءُ مَوْضِعَ إصَابَتِهِ سم.
قَوْلُهُ: (فَأَجْلَسَهُ) وَهُوَ أَحَدُ صِبْيَةٍ وَقَعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
قَدْ بَالَ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ أَطْفَالُ ... حَسَنٌ حُسَيْنٌ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَالُوا
فَكَذَا سُلَيْمَانُ بَنِي هِشَامِ ... وَابْنُ أُمِّ قَيْسٍ جَاءَ فِي الْخِتَامِ
قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِهِ) الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ مُقَدَّمُ الثَّوْبِ وَبِالْفَتْحِ التَّرْبِيَةُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ هُنَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ النَّضْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ ع ش.
قَوْلُهُ: (فَدَعَا) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فَنَضَحَهُ أَيْ بَعْدَ عَصْرِهِ أَوْ جَفَافِهِ، وَالْفَاءُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ هُنَا ق ل. قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ ذِكْرِ الْمُحَقَّقِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَّى الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ مِنْ بَوْلِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الِائْتِلَافَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يَأْلَفُونَ حَمْلَ الصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فَإِنَّمَا يَأْلَفُهَا غَالِبًا الْإِنَاثُ.
قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ) ؛ لِأَنَّ بَوْلَ الذَّكَرِ مِنْ