للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ النِّكَاحِ

هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَمِنْهُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا، وَلِأَصْحَابِنَا فِي مَوْضُوعِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ النِّكَاحِ]

ِ قَدَّمَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ ثُمَّ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهَا أَهَمُّ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَةِ الْبَدَنِ، ثُمَّ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ. وَالنِّكَاحُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَيَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا.

وَالْمُرَادُ مِنْ النِّكَاحِ الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ الْإِبَاحَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ.

وَفَائِدَتُهُ حِفْظُ النَّسْلِ وَتَفْرِيغُ مَا يَضُرُّ حَبْسُهُ وَاسْتِيفَاءُ اللَّذَّةِ وَالتَّمَتُّعُ. وَهَذِهِ، أَعْنِي اسْتِيفَاءَ اللَّذَّةِ، مَعَ التَّمَتُّعِ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ فِيهَا وَلَا احْتِبَاسَ، وَمَا قِيلَ إنَّ الْعَبْدَ يَشْتَهِي فِيهَا الْوَلَدَ فَيَلِدُ فِي الْجَنَّةِ فَيَكُونُ حَمْلُهُ وَرَضَاعُهُ وَفِطَامُهُ فِي سَاعَةٍ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَالْخَصِيِّ وَالْمَمْسُوحِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَشْتَهُونَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا فِي الدُّنْيَا كَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَجَمْعِ الْأُخْتَيْنِ، قَالَ م ر: بَلْ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ سَائِرِ الْمَحَارِمِ فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأُمَّ وَالْبِنْتَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُنَا التَّبَاغُضُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَاكَ، لَا مَا فِيهِ رَذِيلَةٌ كَوَطْءٍ فِي دُبُرٍ وَمِنْهُ وَطْءُ الْأَبْعَاضِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ؛ وَقَدْ وَرَدَ: " يُعْطَى أَحَدُكُمْ فِي الْجَنَّةِ ذَكَرًا مِثْلَ النَّخْلَةِ السَّحُوقِ وَفَرْجًا يَسَعُ ذَلِكَ " اهـ بَابِلِيٌّ ع ش.

قَالَ السَّيِّدُ الرَّحْمَانِيُّ: وَيُسَنُّ إظْهَارُ النِّكَاحِ وَإِخْفَاءُ الْخِتَانِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا فِيهِ بِالدُّفُوفِ وَلَوْ فِي الْمَسَاجِدِ» اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ حِلُّ الدُّفُوفِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَتَحْرِيمُ الْكُوبَةِ لَعَلَّهُ أَمْرٌ عَرَضٌ.

قَوْلُهُ: (الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) أَيْ وَالْوَطْءُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَعَطْفُ الْجَمْعِ عَلَى الضَّمِّ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. وَعِبَارَةُ م ر: لُغَةً الضَّمُّ، وَالْوَطْءُ. وَسُمِّيَ النِّكَاحُ نِكَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى آخَرَ.

قَوْلُهُ: (عَقْدٌ إلَخْ) يَسْتَلْزِمُ الْأَرْكَانَ الْخَمْسَةَ الْآتِيَةَ، وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ سِتَّةٌ زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَوَلِيٌّ وَشَاهِدَانِ وَصِيغَةٌ، وَسَتُعْلَمُ كُلُّهَا مِنْ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَهْرُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ.

فَرْعٌ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ اللَّازِمِ الْمُؤَقَّتِ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ: مَنَافِعُ الْبُضْعِ؛ اهـ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (يَتَضَمَّنُ) أَيْ يَسْتَلْزِمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَهُ مُقَابِلَ الْمُطَابَقَةِ وَهُوَ مِلْكُ انْتِفَاعٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ عَقْدٌ يَحْصُلُ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ إلَخْ، أَيْ بِلَفْظٍ مُشْتَقٍّ إنْكَاحٌ أَوْ مُشْتَقٍّ نَحْوِهِ وَهُوَ التَّزْوِيجُ. وَخَرَجَ بَيْعُ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ، لَكِنْ لَا بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَيْ بِلَفْظٍ مُشْتَقٍّ إلَخْ؛ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ وَالْمَصْدَرُ كِنَايَةً لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. وَقَوْلُهُ: " أَوْ تَرْجَمَتُهُ " أَيْ الْأَحَدِ.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَلِأَصْحَابِنَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي مَوْضُوعِهِ) صَوَابُهُ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ مَعْنَاهُ ق ل. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَوْضُوعَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَهُوَ هُنَا ذَاتُ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَفْظُ النِّكَاحِ لَهُ شَرْعًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَصْوِيبَ؛؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الشَّرْعِيَّ يَدْفَعُ إرَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>