فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَآكَدُ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ لِلْمَسْنُونَاتِ نَوَى أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ انْتَهَى. وَمَحَلُّ هَذَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ، أَمَّا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ.
فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي الْآنَ، وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا. لَكِنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَمِعٌ مُبَاحٌ، وَدَفْعُ التَّغَيُّرِ لِمَصْلَحَتِهِمْ لَا لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ) ثُمَّ بَعْدَهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، ثُمَّ مَا صَحَّ حَدِيثُهُ أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ مَا كَثُرَتْ أَخْبَارُهُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَسْنُونَيْنِ ضَعُفَ دَلِيلُهُمَا فَيُقَدَّمُ مَا نَفْعُهُ أَكْثَرُ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خ ض: وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ الْآكَدِ تَقْدِيمُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى أَوْ وَكَّلَ بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ) أَيْ رَفْعَهَا إنْ كَانَ صَبِيًّا نَظَرًا لِحِكْمَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، وَاحْتِمَالُ أَنْ يُوطَأُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ، فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَنَّهُ أَنْزَلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ السَّابِقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ مَعَ أَنَّ غُسْلَهُ مَنْدُوبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجُنُبِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَكَنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كُلُّ نِيَّةٍ تَصْلُحُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مَعَ غُسْلِهِ لِلْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَجَنَابَتُهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ؟ أَفْتَى م ر بِعَدَمِ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ الْأَصْغَرِ مَعَ هَذَا الْغُسْلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حُكْمُنَا عَلَى مَاءِ الْغُسْلِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ) أَيْ: وَهُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْهُ هَكَذَا قَالَهُ ق ل. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ م د كَلَامَ الرَّمْلِيِّ، وَضَعَّفَ كَلَامَ الشَّارِحِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَنْوِي السَّبَبَ بَلْ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَجَ أَوْ أُولِجَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ. قَالَ غَالِبٌ مَشَايِخُنَا: اعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ فَسَوَّى بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ شَرْحَ م ر لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ عِبَارَتِهِ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي طَلَبِ الْغُسْلِ مِنْ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ لَا التَّسْوِيَةُ فِي النِّيَّةِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالْبَالِغَ اهـ. أَيْ فِي سَنِّ الْغَسْلِ لَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا. أَفَادَنَا ذَلِكَ شَيْخُنَا مُحَقِّقُ عَصْرِهِ وَهُوَ بِمَكَانٍ مِنْ الدِّقَّةِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَرِيحٌ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
ِ أَيْ فِي حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ وَمُدَّتِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ، وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ إلَخْ. وَلِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَيَبْطُلُ إلَخْ وَلِلْخَامِسِ بِقَوْلِهِ وَيُسَنُّ مَسْحٌ إلَخْ. وَهُوَ رُخْصَةٌ وَلَوْ لِلْمُقِيمِ، وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَمَةِ. وَاعْتُرِضَ كَوْنُهُ رُخْصَةً بِأَنَّهَا تَكُونُ لِعُذْرٍ، وَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ السُّهُولَةِ وَهُوَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ بَيْنَ فَرَائِضَ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ لَامْتَنَعَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَكَانَ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى كَوْنَهُ مَسْحًا كَالتَّيَمُّمِ فَضَمَّهُ إلَيْهِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّيَمُّمِ. وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قِرَاءَةَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] بِالْجَرِّ إشَارَةٌ لِلْمَسْحِ، فَإِنَّ نُزُولَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى السُّنَّةِ التَّاسِعَةِ. وَالرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ. أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ بِالطَّوِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute