وَأَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ كَخَبَرِ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا» . وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عُلُوَّ الْخُفَّيْنِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
(وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ) فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى لَابِسِهِ الْغُسْلُ أَوْ الْمَسْحُ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهِيَ مَسْحُ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ وَفِطْرُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعَةٌ عَامَّةٌ وَهِيَ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَإِسْقَاطُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ مِنْ أَسْفَارِ ... أَرْبَعَةٌ أَتَتْ بِلَا إنْكَارِ
قَصْرٌ وَجَمْعٌ ثُمَّ فِطْرٌ بِالرَّشَدْ ... وَمَسْحُ خُفٍّ جَاءَ يَا ذَا بِالسَّنَدْ
وَبِالْقَصِيرِ أَكْلُ مَيْتَةٍ أَتَى ... كَذَاك تَرْكُ جُمُعَةٍ قَدْ ثَبَتَا
يَلِيهِ نَفَلٌ رَاكِبًا بِيُسْرِ ... فَذِي ثَلَاثَةٌ بِدُونِ نُكْرِ
وَمَا أَتَاكَ زَائِدًا فَفِيهِ ... تَسَمُّحٌ قَدْ جَاءَ مِنْ فَقِيهِ
وَكَذَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ فِي عَدِّ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ تَسَمُّحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرُوهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) هَذَا كُنْيَتُهُ، وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ بِالْفَاءِ مُصَغَّرُ نَفْعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحَتَيْنِ كُنِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَكْرَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ وَعَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّائِفِ، وَلَمْ يُمْكِنْ خُرُوجُهُ إلَّا هَكَذَا، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ.
وَبَكَرَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِهَا كَمَا فِي شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَسْكُونِ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرٍ بِفَتْحِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ. قَالَ فِيهِ: وَبَكْرَةُ الْبِئْرِ مَا يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَجَمْعُهَا بَكَرٌ، وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ فَعْلَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ فَعَلٌ إلَّا أَحْرُفَ أَيْ كَلِمَاتٍ مِثْلَ حَلْقَةٍ وَحَلَقٍ وَحَمَاةٍ وَحَمَى وَبَكْرَةٍ وَبَكَرٍ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرَاتٍ أَيْضًا اهـ. وَجَمْعُهَا الْقِيَاسِيُّ بِكَارٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا
أَوْ بَكْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (إنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَسْحَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ. وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَمْسَحَ) أَيْ مَسَحَ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ ثَلَاثٍ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ وَلَا ضَمِيرَ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَدِّرَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فِيهَا، أَوْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ، وَمِثْلُهُ بَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ قَالَ فِيهَا:
وَكَوْنُ ذِي اشْتِمَالٍ أَوْ بَعْضٍ صُحِبْ ... بِمُضْمَرٍ أَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَجِبْ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ " مَعْمُولًا لِيَمْسَحَ لِأَنَّ مَعْمُولَ صِلَةِ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " ظَرْفًا لِأَرْخَصَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَكُونُ حَاصِلًا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ كَمَا إذَا قُلْت: سَافَرْت يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا، وَالتَّرْخِيصُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَظْرُوفًا فِي جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي جَرٍّ، وَمِنْهَا هُوَ وَقْتُ تَكَلُّمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ حَتَّى فِي الْمُقِيمِ.
قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ جَائِزٌ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَسْحِ إذَا حَصَلَ.
قَوْلُهُ: (بَدَلًا) بِمَعْنَى أَنَّهُ كَافٍ عَنْ الْغَسْلِ لَا حَقِيقَةَ الْبَدَلِيَّةِ ق ل. أَيْ فَهُوَ بَدَلٌ صُورِيٌّ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَقَعُ بَيْنَ أَصْلٍ وَبَدَلٍ حَقِيقِيٍّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى لَابِسِهِ) خَرَجَ غَيْرُ لَابِسِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلُ عَيْنًا م د.
قَوْلُهُ: (الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ) فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ