للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ.

نَعَمْ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ شَكَّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لَا، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذَ أَسِيرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأُولَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ، وَاللَّائِقُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوبُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَالْغُسْلُ وَلَوْ مَنْدُوبًا فَلَا مَسْحَ فِيهِمَا.

وَبِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَسْحُ خُفِّ رِجْلٍ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُخَيَّرِ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَصْلٌ، وَالْآخَرُ بَدَلٌ. وَفِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الرُّخْصَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ) أَيْ إعْرَاضًا عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَيْ لِنُفْرَةِ النَّفْسِ مِنْهُ وَعَدَمِ طَلَبِ النَّفْسِ لَهُ أَيْ: لَا مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا. وَقَالَ ز ي: أَيْ لِإِيثَارِهِ الْغَسْلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ النَّظَافَةِ مَثَلًا أَمْ لَا. فَعُلِمَ أَنَّ الرَّغْبَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّهُ آثَرَ الْغَسْلَ مِنْ حَيْثُ نَظَافَتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ شَرْعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الطَّرِيقَةُ، وَهِيَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ أَيْ لَمْ تَأْلَفْهُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ التَّنْظِيفِ فِيهِ بَلْ أَلِفَتْ الْغَسْلَ لِلنَّظَافَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَكًّا) أَيْ أَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ شَكًّا فِي دَلِيلِ جَوَازِهِ لِنَحْوِ مُعَارِضٍ كَآيَةِ الْوُضُوءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْغَسْلِ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِدَلِيلِ الْمَسْحِ فَيَشُكُّ هَلْ دَلِيلُ الْمَسْحِ مُتَقَدِّمٌ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِدَلِيلِ الْغَسْلِ أَوْ لَا. وَهَلْ أَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ الْآخَرِ، وَالتَّعَارُضُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ كَالنَّوَوِيِّ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ عَمَلِهِ بِقَوْلِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ الدَّلِيلِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ) بِأَنْ خَيَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْقَاصِرَةُ شُبْهَةً فِي الدَّلِيلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الشِّعَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ع ش. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً غَيْرَهَا، وَإِلَّا كَانَ الْغَسْلُ أَفْضَلَ. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْمَسْحُ اج. قَوْلُهُ: (أَوْ عَرَفَةَ) أَيْ أَوْ فَوْتُ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ مَا صُورَتُهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْمُحْرِمَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ اهـ اج عَلَى الْمَنْهَجِ، أَوْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْمَسْحِ حَلَالًا، وَمُرَادُهُ الْإِحْرَامُ إذَا وَصَلَ عَرَفَةَ وَوُصُولُهَا يَفُوتُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ

وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ بِأَنْ كَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِ قَدَمَيْهِ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذِ أَسِيرٍ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ خَشِيَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ خِيفَ انْفِجَارُهُ لَوْ غَسَلَ وَجَبَ الْمَسْحُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ إنْقَاذِ) أَيْ أَوْ فَوْتَ إنْقَاذِ فَهُوَ بِالْجَرِّ، وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ فَوْتُ عَرَفَةَ وَإِنْقَاذُ غَرِيقٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْغَرِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذَ رُوحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِطْفِيحِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسِيرِ بِضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ مَسَحَ أَنْقَذَ الْأَسِيرَ، أَمَّا عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ فَلَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلَ وَلَا الْمَسْحَ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إنْقَاذُ الْأَسِيرِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَنْ الْغَسْلِ وَضِيقِ الْمَاءِ عَنْهُ، فَتَكُونُ الصُّوَرُ سَبْعًا قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَسْحِ وَهُوَ الْغَسْلُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَضْرَبَ عَنْهُ وَقَالَ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِالْغَسْلِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيَجِبُ الْمَسْحُ فِيمَا بَعْدَهَا.

قَوْلُهُ: (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) كَأَنْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخِلَافِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَالْغَسْلُ) بِأَنْ أَجْنَبَ مَثَلًا وَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ بَدَلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَنْدُوبًا) . فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَلَوْ مَنْدُوبِينَ لِيَشْمَلَ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا؛ إذْ تُنْدَبُ إزَالَتُهَا؟ قُلْت: لَمَّا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْأَصْلُ فِي إزَالَتِهَا الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ بَعْضِهَا تَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ، وَلَا كَذَلِكَ الْغَسْلُ، فَإِنَّ أَصْلَهُ يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ مَنْدُوبًا قَالَ ذَلِكَ اهـ م د. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَنْدُوبًا رَاجِعٌ لِلْقِسْمَيْنِ بِتَأْوِيلِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَيْهِ، فَالْجَوَازُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، وَقَدْ يَجِبُ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ وَهُوَ لَابِسٌ لِلْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يَكْفِي لِلْغَسْلِ، وَقَدْ يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ كَانَ لَابِسُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>