للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامَ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ.

وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ ظُلْمًا فِي حُكْمِهِ وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا مُدَّعٍ صِبًا وَلَوْ احْتِمَالًا بَلْ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ إلَّا كَافِرًا مَسْبِيًّا أَنْبَتَ وَقَالَ: تَعَجَّلْت إنْبَاتَ الْعَانَةِ فَيَحْلِفُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ، وَالْيَمِينُ مِنْ الْخَصْمِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا لَا الْحَقَّ فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِ الْخَصْمِ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَجْهُولِ نَسَبٍ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ أَصَالَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَيْسَا بِيَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ، أَوْ بِيَدِهِ وَجَهِلَ لَقْطَهُمَا حَلَفَ وَحَكَمَ لَهُ بِرِقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمَا وَإِنْكَارُهُمَا بَعْدَ كَمَالِهِمَا لَغْوٌ فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ حُجَّةٍ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.

فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: ٢٨٣] وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] . وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ»

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ) خَرَجَ الْخَصْمُ فَلَهُ تَحْلِيفٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَكَّمِ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِذَلِكَ ع ش عَلَى مَنْهَجِ قَوْلِهِ: (أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ) فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ حَيْثُ لَا إكْرَاهَ مِنْهُ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (عَزَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا يَعْزِلُهُ. لِأَنَّ مَذْهَبَهُ يَرَى ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِ مُقَلِّدِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى مَنْهَجٍ وَمِثْلُ الْحَنَفِيِّ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ فَإِنَّهُ يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ: (لِسُقُوطِ الْقَتْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ، شَرْحُ التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: إنَّهُ بُلُوغٌ حَقِيقَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ:

[فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ]

ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَهَا وَمَنْ قَدَّمَ الشَّهَادَةَ نَظَرَ لِلتَّحَمُّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدَّعْوَى.

قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) وَهُوَ أَشْهَدُ فَلَا يَكْفِي إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَبْلَغَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ تَعَبُّدٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِشُمُولِهِ لِنَحْوِ: هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ كَوْنِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَخَصَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّهَادَةُ لُغَةً الرُّؤْيَةُ أَوْ الْحُضُورُ وَفِي الْمِصْبَاحِ إنَّهَا الِاطِّلَاعُ وَالْمُعَايَنَةُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَك) أَيْ لَيْسَ لَك فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى خَصْمِك إلَّا شَاهِدَاك، وَلَيْسَ عَلَى خَصْمِك عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ إلَّا يَمِينُهُ، فَالْحَدِيثُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْخَصْمِ لَيْسَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ أَيْ لَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ حُكْمُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ لِأَنَّ الْعِلْمَ أَقْوَى مِنْ الْحُجَّةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (تَرَى) عَلَى تَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَتَرَى أَيْ تُبْصِرُ الشَّمْسَ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مِثْلِهَا أَيْ عَلَى شَيْءٍ مُحَقَّقٍ مِثْلِهَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ دَعْ) أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>