للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِلسَّيِّدِ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ لَهُ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ: أَنَا مَأْذُونٌ لِي لِأَنَّهُ رِقٌّ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ وَلَا بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ.

فَصْلٌ: فِي الصُّلْحِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ فِي الطَّرِيقِ وَالصُّلْحُ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] وَخَبَرُ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَيِّدِهِ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْفَاقِ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، ز ي. وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَبَرَّعُ) وَلَوْ بِلُقْمَةٍ لِهِرَّةٍ مَا لَمْ يُعْلَمْ رِضَا السَّيِّدِ بِهِ أَيْ بِالتَّبَرُّعِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ؛ ق ل وَع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ) أَيْ وَلَوْ وَكِيلًا مِنْ غَيْرِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، وَلَا وَكِيلُ سَيِّدِهِ بِمَالِ سَيِّدِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا رَقِيقُهُ) أَيْ رَقِيقُ سَيِّدِهِ. وَقَوْلُهُ " بِبَيْعٍ " مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعَامَلُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ) أَيْ فَيُعَامَلُ سَيِّدُهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ " أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً، أَمَّا فَاسِدُهَا فَلَا يُعَامَلُ سَيِّدُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ) مُرَادُهُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ لِثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِبَيِّنَةٍ) وَلَوْ عَدْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا أَوْ إغْمَائِهِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ، وَلَا بِإِبَاقِ الْعَبْدِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَبَقَ إلَيْهِ اهـ ق ل.

تَتِمَّةٌ: أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِجَوَازِ بَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفَقَتِهِ بِنِهَايَةِ مَا دَفَعَ فِيهِ وَإِنْ رُخِّصَ لِضَرُورَةٍ. اهـ. حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاقْتِرَاضُ أَوْ الِارْتِهَانُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ " لِضَرُورَةٍ " أَوْ يُقَالُ: حَيْثُ انْتَهَتْ الرَّغَبَاتُ فِيهِ بِقَدْرٍ كَانَ ثَمَنُ مِثْلِهِ وَالرُّخْصُ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ يَكُونُ غَالِيًا وَقَدْ يَكُونُ رَخِيصًا اهـ. ع ش عَلَى م ر.

[فَصْلٌ فِي الصُّلْحِ]

ِ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مُنَاسَبَةٍ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَهُ عَمَّا فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي غَالِبِهَا فَيَكُونُ بَيْعًا وَسَلَمًا وَهِبَةً وَإِجَارَةً. وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَسْمِيَتِهِ رُخْصَةُ التَّغْيِيرِ بِالْفِعْلِ بَلْ وُرُودُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الْأُصُولُ الْعَامَّةُ كَافٍ فِي كَوْنِهِ رُخْصَةً؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَجْرِ لِأَنَّ غَالِبَ وُقُوعِهِ بَعْدَ حَجْرِ الْفَلَسِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إشْرَاعِ الرَّوْشَنِ) أَيْ وَحُكْمُ تَقْدِيمِ الْبَابِ وَتَأْخِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا عَقْدٌ إلَخْ) هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ الِاصْطِلَاحِيِّ إذْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَطَعَ النِّزَاعَ أَيْ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الْمَذْكُورُ فِي التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُعَامَلَاتِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَإِلَّا لَزِمَ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ " أَنْوَاعٌ " أَيْ أَرْبَعَةٌ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَعَقَدُوا لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>