كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ الْأَقْضِيَةُ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ وَهُوَ لُغَةً إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ وَشَرْعًا فَصْلُ الْخُصُومَةِ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَاتُ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] وقَوْله تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَهُ عَشْرَةُ أُجُورٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ، إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وَإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَا لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ، لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا. وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]
ِ أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى هُنَا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهَا مِنْ مُعَامَلَاتٍ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَ الْأَيْمَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ قَوْلُهُ جَمْعُ قَضَاءٍ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ وَقَعَتْ الْيَاءُ مُتَطَرِّفَةً إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُ عَلَى أَقْضِيَةٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا وَلِذَا تَقُولُ قَضَيْت بِكَذَا قَوْلُهُ إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ التَّنْفِيذُ وَالْإِحْكَامَ الْإِتْقَانُ وَالْمُرَادُ إحْكَامُ الشَّيْءِ أَيْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ الْآتِي عَلَى الْقَاعِدَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إمْضَاءُ الشَّيْءِ أَيْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَحْيِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: (فَصْلُ الْخُصُومَةِ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَشَرْعًا الْوِلَايَةُ الْآتِيَةُ وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا أَوْ إلْزَامُ مَنْ لَهُ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَيَحْتَاجُ الْقَضَاءُ إلَى مُوَلٍّ وَمُتَوَلٍّ وَمُوَلَّى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ وِلَايَةٍ وَصِيغَةٍ وَتُسَمَّى أَرْكَانًا اهـ.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) هَذَا التَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (بِالْقِسْطِ) أَيْ الْعَدْلِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَوْرِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ) لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْقَلِيلِ لَا يُنَافِي الْكَثِيرَ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْأَجْرَيْنِ فَأَخْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ بِالْعَشَرَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا أَوْ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ يُسَاوِيَانِ الْعَشَرَةَ. فَإِنْ قُلْت: الْعَشَرَةُ يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ أَجْرًا وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ فَمَا بَالُهُ جَعَلَهَا عَشَرَةً. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْوَاعًا مِنْ الثَّوَابِ مُخْتَلِفَةً يَبْلُغُ عَدَدُهَا هَذَا الْمِقْدَارَ فَنَبَّهَ بِذِكْرِ هَذَا الْعَدَدِ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ) وَهُمْ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيّ ... وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي
وَإِذَا قِيلَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) وَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا أَوْ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute