كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ
أَيْ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: ٢١٦] وقَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وقَوْله تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: ٨٩] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَأَحْكَامِ تَارِكِي الصَّلَاةِ جَحْدًا شَرَعَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْكُفَّارُ الْأَصْلِيُّونَ، وَجَوَازُ قِتَالِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ وَهِيَ مَا خَرَجَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَبُعُوثِهِ وَهِيَ مَا أَرْسَلَهَا وَأَمَّرَ عَلَيْهَا أَمِيرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْمُرَيْسِيعِ وَالْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفَةِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ مَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَضَمَّ قُرَيْظَةَ إلَى الْخَنْدَقِ فَأَهْمَلَ ذِكْرَ قُرَيْظَةَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَ فِي غَزَوَاتٍ إلَّا فِي أُحُدٍ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَاتَلَ فِي كَذَا أَنَّهُ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ مِمَّنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى أَحْوَالِهِ.
وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قِتَالُ أَصْحَابِهِ بِحُضُورِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي قِتَالِهِمْ. وَأَمَّا سَرَايَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهِيَ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَرِيَّةً وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَمَا زَادَ مَنْسِرٌ بِنُونٍ فَمُهْمَلَةٍ إلَى ثَمَانِ مِائَةٍ فَمَا زَادَ جَيْشٌ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَمَا زَادَ جَحْفَلٌ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّ لَهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَأَمَامًا وَخَلْفًا وَقَلْبًا وَهُوَ وَسَطُهُ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ أَنْ يُسَمُّوا كُلَّ عَسْكَرٍ حَضَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ غَزْوَةً وَمَا لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ أَرْسَلَ بَعْضًا مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزْوِ سَرِيَّةً وَبَعْثًا. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمَوَاهِبِ وَشَرْحِ التُّحْفَةِ لحج وَمُرَادٌ بِالْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمَنْ أُسِرَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ إلَخْ وَبِالْأَحْكَامِ أَيْضًا كَوْنُهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ) . مُرَادُهُ بِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ. لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ قَوْلُهُ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] وَقَوْلُهُ كَافَّةً حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا. اهـ م د وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَاعِلِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ حَالًا مِنْهُ لَكَانَ مُتَعَيِّنًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: «حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ: م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لَغَدْوَةٌ) اللَّامُ لِلْقَسَمِ وَالْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى انْتِصَافِهِ، وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا فَتْحُ الْبَارِي اهـ وَقَوْلُهُ: لَغَدْوَةٌ إلَخْ هَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْغَيْنِ وَالدَّالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute