مَقْصُورَةً.
وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ (أَنْ تَقَعَ فِي الْجَمَاعَةِ) وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا كَذَلِكَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا؟ اشْتَرَطَ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَنْ ذُكِرَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَيْ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْآدَابُ، وَتُسَمَّى هَيْئَاتٌ فَقَالَ: (وَهَيْئَاتُهَا) أَيْ الْحَالَةُ الَّتِي تُطْلَبُ لَهَا وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (أَرْبَعٌ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَكَيْفَ يُعَدُّ شَرْطًا فِي الْجُمُعَةِ؟ وَرَوَى الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُثْنِيَ رِجْلَهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا سَبْعًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ كُلِّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: ١] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١] سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعَاذَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ السُّوءِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» . قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَقُولَ " يَا غَنِيُّ يَا حَمِيدُ يَا مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ يَا رَحِيمُ يَا وَدُودُ، أَغْنِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ دَمِيرِيٌّ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) فَلَوْ نَوَوْا كُلُّهُمْ الْمُفَارَقَةَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ فُرَادَى صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَجُمُعَةُ الْإِمَامِ، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ صَلَاتِهِمْ عَلَى الصِّحَّةِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَيْ بِتَمَامِهَا بِأَنْ يَسْتَمِرَّ مَعَهُ إلَى السُّجُودِ الثَّانِي، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَتَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ وَحْدَهُ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ؛ نَعَمْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْعَدَدِ إلَى سَلَامِ الْجَمِيعِ، فَمَتَى أَحْدَثَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَةُ الْبَاقِينَ أَيْ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ اهـ. وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا صَحَّتْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ، وَمِثْلُهُ تَرْكُ بَعْضِهِمْ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ كَمَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الْمَالِكِيَّةِ؛ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَيُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا دُونَ الْمَأْمُومِينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَحَّتْ لَهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومَيْنِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ أُخْرَى؟ فِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ عَمِيرَةُ، وَنَقَلَهُ الرَّحْمَانِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
وَفِي ق ل عَلَيْهِ: أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمُفَارَقَةَ وَيُتِمَّهَا لِنَفْسِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ قَبْلَ سَلَامِ نَفْسِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْآخَرُ وَإِنْ ذَهَبَ الْأَوَّلُونَ إلَى أَمَاكِنِهِمْ وَيَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا جُمُعَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَظُهْرًا. وَيُلْغِزُ، فَيُقَالُ: شَخْصٌ أَحْدَثَ فِي الْمَسْجِدِ فَبَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ فِي بَيْتِهِ؛ فَتَأَمَّلْ. فَرْعٌ: لَوْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَدْرَكَ جُمُعَةً ثَانِيَةً فِي الْبَلَدِ فَأَرَادَ قَضَاءَ الثَّانِيَةِ مَعَهُمْ فَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْفَائِتَةَ لَا تَقْضِي جُمُعَةً وَإِنَّمَا يُصَلَّى ظُهْرٌ بَدَلَهَا، وَأَمَّا إعَادَتُهَا فَتُتَصَوَّرُ إذَا تَعَدَّدَتْ لِحَاجَةٍ فِي الْبَلَدِ أَوْ انْتَقَلَ فَاعِلُهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْجَهِ أَيْ فَإِنَّهَا تُعَادُ جُمُعَةً فِي هَذَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِي) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ وَهُوَ هَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا تَصِحُّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ قُلْنَا يُشْتَرَطُ؛ وَهَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ جَوَازُ تَقَدُّمِ إحْرَامِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ عَدَمُ جَوَازِ تَقَدُّمِ إحْرَامِ غَيْرِ الْكَامِلِينَ قَوْلُهُ: (لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ إلَخْ) لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا خَلْفَهُمْ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ.
[آدَابُ الْجُمُعَةُ]
قَوْلُهُ: (وَهَيْئَاتُهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهَا " أَرْبَعٌ " فِي كَلَامِ الْمَتْنِ، وَجَعَلَهُ الشَّارِحُ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ خُلُوُّ الْمُبْتَدَإِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute