الْأُولَى إذَا قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ وَقْتَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاتِهِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاتِهِ وَقَالَ: إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَذْهَبُهُمْ، وَخَرَجَ بِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُهَا فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ صَلَاةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مُطْلَقًا لِخَبَرِ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ نَعَمْ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ.
فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِيمَا بَعْدَ جُلُوسِهِ بَعْدَ صُعُودِهِ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ، وَالْمَنْعُ فِي هَذِهِ شَامِلٌ لِحَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ ق ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ قُبَيْلَ الصُّعُودِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ فَرَاغَ الصَّلَاةِ قَبْلَ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّخْفِيفُ مِنْ حِينِ جُلُوسِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ تَخْفِيفُهَا عِنْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَوْلُهُ: (لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ) قَيْدٌ لِلْحُرْمَةِ فَتُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا مَعَ الصِّحَّةِ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَرِدُ الْأُولَى إلَخْ) أَيْ فَهِيَ غَيْرُ وَارِدَةٍ وَكَذَا لَا تَرِدُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِي حَالَةِ الصُّعُودِ لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ، فَلَا تَرِدُ إلَّا مَا بَعْدَ جُلُوسِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الصَّلَاةِ فِيهَا إجْمَاعًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا مَرَّ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَرِدُ هَذِهِ أَيْضًا لِذِكْرِهَا فِي بَابِهَا تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (إذَا قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ) أَيْ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَلَا تَرِدُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ) فَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا تَرِدُ أَيْضًا لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ ق ل قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُقَارِنٌ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) فَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فِي الْمَكَانِ الشَّامِلِ لَهُ عُمُومُ الزَّمَانِ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا عُمُومُهَا لَا خُصُوصُ صَلَاةِ الطَّوَافِ، بِدَلِيلِ سُقُوطِ الطَّوَافِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَتَأَمَّلْ. لَكِنْ فِي أَخْذِ عُمُومِ الْحَرَمِ مِنْ الْحَدِيثِ تَوَقُّفٌ وَصَرِيحُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ تُخَصِّصُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا التَّعْلِيلَ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا صَلَّى» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ اهـ قَوْلُهُ: (وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ) أَيْ فِي الْحَرَمِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا صَلَّى فِي الْحَرَمِ» مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الطَّوَافِ فَحِينَئِذٍ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى ظَاهِرَةٌ قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى كَرَاهَتَهَا مُطْلَقًا حَتَّى فِي حَرَمِ مَكَّةَ. وَقَوْلُ م د لِأَنَّ مَالِكًا يَرَى كَرَاهَتَهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا كَمَا فِي الْمِيزَانِ.
[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]
ِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَالْإِضَافَةُ بَعْدَ الْقَلْبِ عَلَى مَعْنَى فِي، وَحَقُّ الْعِبَارَةِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا أَوَّلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ. وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَاقَةَ بِرْمَاوِيٌّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فُرَادَى كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلُ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: «أَوَّلُ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ الْغَارِ فِي الصُّبْحِ» وَإِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلُ فُرَادَى. وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْضًا الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ. وَالْجَمَاعَةُ لُغَةً الطَّائِفَةُ وَشَرْعًا رَبْطُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَفْظُهَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ لِأَحَدِهِمَا بِالْقَرِينَةِ كَتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَوْ إحْرَامِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَمَاعَةِ قِيلَ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ إذْ اعْتَذَرَ مِنْ سَيِّدِهِ يَجْمَعُ الشُّفَعَاءَ لِيَقْبَلَهُ، وَالْمُصَلِّي مُعْتَذِرٌ فَأَتَى بِالشُّفَعَاءِ لِتَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ ضِيَافَةٌ وَمَائِدَةُ بِرٍّ، وَالْكَرِيمُ لَا يَضَعُ مَائِدَتَهُ إلَّا لِجَمَاعَةٍ كَمَا قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute