للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] الْآيَةَ، أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي رِوَايَةٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ. «وَمَكَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ» لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهَا. وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَفُوتُ أَحَدًا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ. قَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى، وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) لَمْ يَقُلْ فِي وُجُوبِهَا لِيَجْرِيَ كَلَامُهُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ فِي أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَقَالَ أج قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا أَيْ وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ عَلَى الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ، وَالْكَرَاهَةُ خَلْفَ مُبْتَدِعٍ وَمُخَالِفٍ كَحَنَفِيٍّ، وَمِنْ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهًا إقَامَتُهَا بِمَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ بِغَيْرِ إذْنِ رَاتِبِهِ، فَلَوْ غَابَ نُدِبَ انْتِظَارُهُ وَلَا يَؤُمُّ بِهِ غَيْرُهُ إلَّا إنْ خِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ وَلَمْ يُخْشَ فِتْنَةٌ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى.

أَمَّا الْمَطْرُوقُ فَلَا وَلَوْ فِي صُلْبِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَالِاسْتِحْبَابُ لِلْعُرَاةِ إذَا كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ، وَالْإِبَاحَةُ لَهُمْ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَالْحُرْمَةُ بِأَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَدْرَكَهَا كُلَّهَا فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَدْرَكَ بَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الرَّحْمَانِيِّ وَعِبَارَةُ م د: وَقَدْ تَجِبُ كَمَا لَوْ رَأَى إمَامًا رَاكِعًا وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ لَا إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا أَفَادَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُهَا فِيمَا إذَا رَأَى الْإِمَامَ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَدْرَكَهَا اهـ قَوْلُهُ: (مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ) بِالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُنْفَرِدِ قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) أَيْ صَلَاةً فَصَلَاةُ الشَّخْصِ جَمَاعَةً يَعْدِلُ ثَوَابُهَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَلِيلَ إلَخْ) أَيْ الْإِخْبَارُ بِهِ، وَإِلَّا فَذَاتُ الْقَلِيلِ تُنَافِي ذَاتَ الْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ إلَخْ وَهَذَا الْجَوَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقَدُّمِ رِوَايَةِ الْقَلِيلِ قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ) فَمَنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَتَدَبُّرُهُ وَتَذَكُّرُهُ عَظَمَةَ مَنْ تَمَثَّلَ فِي حَضْرَتِهِ فَلَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ هَذِهِ الْهَيْئَةُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَهَذَا احْتِمَالٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ يَكْفِي فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا لِلشِّهَابِ الْقَلْيُوبِيِّ مِنْ نِسْبَةِ هَذَا الْجَوَابِ لِعَدَمِ الِاسْتِقَامَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اج. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَبُعْدِهِ، أَوْ أَنَّ رِوَايَةَ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى السِّرِّيَّةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَالتَّأْمِينِ لِتَأْمِينِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لِلصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ لِنَقْصِهَا عَنْهَا اهـ أج.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَخْ) اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَوْ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَأْتِي مَا قَالَهُ. وَأُجِيبَ بِشُمُولِهِ لِمَا كَانَ يُصَلِّيهِ قَبْلَ فَرْضِ الْخَمْسِ أج قَوْلُهُ: (يُصَلِّي) أَيْ غَيْرَ الْخَمْسِ قَبْلَ الْخَمْسِ وَالْخَمْسُ بَعْدَ فَرْضِهَا أج قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ) أَيْ بِغَيْرِ إظْهَارِهَا وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: شُرِعَتْ بِالْمَدِينَةِ أَيْ إظْهَارُهَا فَلَا يُنَافِي صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ وَبِالصَّحَابَةِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَصَلَاةَ النَّبِيِّ أَيْضًا بِخَدِيجَةَ اهـ أج قَوْلُهُ: (إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ) جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ، وَلِذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَكَانَ السَّلَفُ إلَخْ قَوْلُهُ: (يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ) وَصِيغَةُ التَّعْزِيَةِ: لَيْسَ الْمُصَابُ مَنْ فَقَدَ الْأَحْبَابَ إنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (إمَامٌ وَمَأْمُومٌ) أَيْ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>