فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ وَالصِّيَالُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حُكْمُ الصَّائِلِ فَقَالَ: (وَمَنْ قُصِدَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. بِمَعْنَى قَصَدَهُ صَائِلٌ مِنْ آدَمِيٍّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ مَا ظَلَمَ بِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ طُرِحَ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِينَ. ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِسَبَبِهِ وَلَا بِمَطْلِهِ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ ثَوَابُ إيمَانِهِ كَمَا لَا تُؤْخَذُ فِي الدُّنْيَا ثِيَابُ بَدَنِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ لَمْ يُطْرَحْ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ شَيْءٌ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ]
ُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْأَمْوَالِ وَالْعُقُولِ مَثَلًا، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الرِّدَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى الدِّينِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (هُوَ الِاسْتِطَالَةُ) أَيْ الْعُلُوُّ وَالْقَهْرُ. قَوْلُهُ: (وَالْوُثُوبُ) أَيْ الْهُجُومُ وَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ وَقِيلَ: الْوُثُوبُ الْعَدْوُ بِسُرْعَةٍ فَيَكُونُ عَطْفَ مُغَايِرٍ وَذَكَرَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْوُثُوبِ بِمَعْنَى الْمُبَادَرَةِ وَالْمُسَارَعَةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْعَامَّةِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ: لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ تَغَايُرِهِمَا وَقِيلَ: إنَّهُ لُغَوِيٌّ فَقَطْ وَالشَّرْعِيُّ يُزَادُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَعَدِّيًا ظُلْمًا بِخِلَافِ اللُّغَوِيِّ فَإِنَّهُ أَعَمُّ.
قَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْمُعْتَدِي بِالْفِعْلِ، وَالصَّائِلُ لَمْ يَعْتَدِ بِالْفِعْلِ بَلْ مَرِيدٌ الِاعْتِدَاءَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا شَامِلَةٌ لِلْمُعْتَدِي حُكْمًا وَهُوَ مَرِيدٌ الِاعْتِدَاءَ لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَالِاعْتِدَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤] لِلْمُشَاكَلَةِ وَإِلَّا فَلَا يُقَالُ لَهُ اعْتِدَاءٌ وَالْمِثْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ لَا الْأَفْرَادُ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ أَيْ الصَّائِلُ يُدْفَعُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ أَيْ وَلَوْ كَانَ صَائِلًا بِالْقَتْلِ وَأَيْضًا إذَا اعْتَدَى عَلَيْك بِوَطْءِ زَوْجَتِك فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ فَيَكُونُ عَامًّا مَخْصُوصًا بِغَيْرِ الْفَاحِشَةِ وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَفْضَلِيَّةِ الِاسْتِسْلَامِ فَإِنَّ فِي تَسْمِيَتِهِ اعْتِدَاءً إشَارَةٌ إلَى تَرْكِهِ وَتَرْكُهُ اسْتِسْلَامٌ.
قَوْلُهُ: (اُنْصُرْ أَخَاك) أَمْرٌ بِالنَّصْرِ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَيَكُونُ النَّصْرُ وَاجِبًا وَعَدَمُ النَّصْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ النَّصْرُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الدَّفْعُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَوْ أَنَّ الْأَمْرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَنَعَهُ مِنْ ظُلْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَصَدَ. . . إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا: لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقُصُورِ وَالْخَفَاءِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا صَالَ شَخْصٌ وَلَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، وَلَا آدَمِيَّةَ حَامِلًا عَلَى شَيْءٍ مَعْصُومٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ نَفْسًا وَعُضْوًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ بُضْعًا أَوْ مَالًا وَإِنْ قَلَّ أَوْ اخْتِصَاصًا كَذَلِكَ فَلَهُ دَفْعُهُ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالِاخْتِصَاصِ وَجَوَازًا فِيهِمَا، وَيَجِبُ الدَّفْعُ أَيْضًا عَنْ بُضْعِ حَرْبِيَّةٍ أَوْ حَرْبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ فَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ صَائِلٌ عَلَى امْرَأَةٍ لِلزِّنَا وَصَائِلٌ ذَكَرٌ لِلِّوَاطِ وَلَا يَسْتَطِيعُ إلَّا دَفْعَ أَحَدِهِمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر: يَدْفَعُ عَنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَحِلُّ بِوَجْهٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ: يَدْفَعُ عَنْ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى حِلِّهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ سم لَوْ فُرِضَ صِيَالٌ عَلَى مَالٍ وَبُضْعٍ وَنَفْسٍ. قُدِّمَ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ ثُمَّ الْبُضْعِ ثُمَّ الْمَالِ الْأَخْطَرِ فَالْأَخْطَرِ اهـ وَنُقِلَ عَنْ ز ي مَا نَصُّهُ وَلَا فَرْقَ فِي الصَّائِلِ بَيْنَ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ صَالَتْ حَامِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute