للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدَمِ سُقُوطِ بَاقِي الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: فَيَسْقُطُ قَطْعًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» وَوَرَدَ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» .

تَتِمَّةٌ: التَّوْبَةُ لُغَةً الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَنْ ذَنْبٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَأَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: ٧] وَإِنَّمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ تَشْرِيعًا وَلِيَفْتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْأُمَّةِ لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْقَوْمِ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة: ١١٧] مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَقَالَ: نَبَّهَ بِتَوْبَةِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ عَلَى تَوْبَةِ مَنْ أَذْنَبَ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَقَامًا مِنْ الْمَقَامَاتِ الصَّالِحَةِ إلَّا تَابِعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْلَا تَوْبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَصَلَ لِأَحَدٍ تَوْبَةٌ، وَأَصْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ مِنْ صَدْرِهِ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: هَذِهِ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك، وَشَرْعًا الرُّجُوعُ عَنْ التَّعْوِيجِ إلَى سُنَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَشُرُوطُهَا: إنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى النَّدَمُ وَالْإِقْلَاعُ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ زِيدَ عَلَى ذَلِكَ رَابِعٌ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى التَّوْبَةِ مَعَ ذِكْرِ جُمَلٍ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَابَ بِالْإِسْلَامِ سَقَطَ قَتْلُهُ فَأَجَابَ: بِأَنَّ قَتْلَهُ يَكُونُ كُفْرًا لَا حَدًّا، وَالْكَلَامُ فِي الْقَتْلِ حَدًّا.

قَوْلُهُ: (فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِيمَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ.

قَوْلُهُ: (فَيَسْقُطُ قَطْعًا) وَمِنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِقْدَامِ عَلَى مُوجِبِهِ إنْ لَمْ يَتُبْ اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ) وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (تَجُبُّ) أَيْ تَقْطَعُ مَا قَبْلَهَا

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ) أَيْ لُغَةً. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (إلَى الْحَقِّ) أَيْ شُهُودُهُ وَمُرَاقَبَتُهُ فَإِذَا تَلَبَّسَ بِذَلِكَ الْمَقَامِ الْعَالِي رَأَى الْأَوَّلَ أَنْقَصَ مِنْ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ كَمَالًا فِي نَفْسِهِ فَاسْتَغْفَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَابَ مِنْهُ، أَيْ رَجَعَ إلَى الْعَالِي.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَرَغْت) أَيْ مِنْ التَّبْلِيغِ (فَانْصَبْ) : أَيْ فَاتْعَبْ فِي الْعِبَادَةِ بَيْضَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: فَإِذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَانْصَبْ إلَى رَبِّك فِي الدُّعَاءِ وَارْغَبْ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ يُعْطِك، أَوْ إذَا فَرَغْت مِنْ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا فَرَغْت مِنْ التَّشَهُّدِ فَادْعُ لِدُنْيَاك وَآخِرَتِك. وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا فَرَغْت مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَانْصَبْ فِي عِبَادَةِ رَبِّك وَصَلِّ اهـ.

قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ التَّوْبَةُ تَشْرِيعًا. . . إلَخْ.

قَوْلُهُ: (هَذِهِ التَّوْبَةُ) أَيْ الَّتِي مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَهِيَ الرُّجُوعُ مِنْ مَصَالِحِ الْخَلْقِ، لِلْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: أَخْذُ الْعَلَقَةِ أَيْ السَّبَبُ فِي حَمْلِ تَوْبَتِهِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ حَيْثُ أُخِذَ مِنْهُ حَظُّ الشَّيْطَانِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ الْأَخْذُ عَدَمَ وُقُوعِ الذَّنْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَبَبُهُ الْعَلَقَةُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك) أَيْ مِنْ نَوْعِك وَجِنْسِك وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ.

قَوْلُهُ: (النَّدَمُ) ذِكْرُهُ يُغْنِي عَنْ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَجْزَاءَ الْحَقِيقَةِ لَا يُنْظَرُ فِيهَا لِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ الْأَجْزَاءِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يَسْتَلْزِمُ بَعْضًا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخُرُوجُ. . . إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الشَّرْطُ فِي التَّوْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ. اهـ. ق ل.

(فَائِدَتَانِ: الْأُولَى) : مَنْ تَابَ مِنْ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ مِنْهَا كُلَّمَا ذَكَرَهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يُجَدِّدْهَا كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً جَدِيدَةً، تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا وَالتَّوْبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ. الثَّانِيَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ أَوْ بِمَطْلِهِ أُخِذَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>