للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ آخِرِهَا وَاجِبًا كَصَوْمِ مَرِيضٍ شُفِيَ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ بَلَغَ بَعْدَ فِعْلِهَا بِالسِّنِّ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ إذَا بَلَغَ بَعْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فَاشْتَرَطَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ قَدْرَ الْفَرْضِ أَخَفَّ مَا يُمْكِنُ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَالصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ) وَالْمَسْنُونُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالنَّفَلُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرَائِضِ.

وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: " أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " وَقِيلَ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِنَا م ر. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ ثَوَابَ النَّفْلِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (كَصَوْمِ مَرِيضٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ لُزُومُ الْإِتْمَامِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْمَرِيضِ كُلَّهُ فَرْضٌ إذْ شَرَعَ فِيهِ وَهُوَ كَامِلٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ أَوَّلَهَا نَفْلٌ إذْ شَرَعَ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ كَامِلٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي وَقْتٍ يُسَمَّى وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ مَا إذَا طَرَأَتْ الْمَوَانِعُ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ دُخُولِهِ فَإِنْ كَانَ طُرُوُّهَا بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الصَّلَاةِ لَزِمَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمَوَانِعُ الَّتِي يُمْكِنُ طُرُوُّهَا خَمْسَةٌ مَا عَدَا الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَا. وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ حَاضَتْ إلَخْ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا طَرَيَانُ بَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ كَمَا عَلِمْت.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَوَانِعَ الْوُجُوبِ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ وَالصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالسُّكْرُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ، وَهَذِهِ الْمَوَانِعُ كَمَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ تَمْنَعُ الصِّحَّةَ إلَّا الصِّبَا، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلَ الْوَقْتِ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَسَعُ الصَّلَاةَ وَالطُّهْرَ الَّذِي لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ قَدْرَ الْفَرْضِ إلَخْ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ.

قَوْلُهُ: (إنْ أَدْرَكَ مَنْ ذُكِرَ) أَيْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (قَدْرَ الْفَرْضِ) أَيْ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَوَانِعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ زَمَنِ طَهَارَةٍ يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا كَوُضُوءِ السَّلِيمِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ طَرَأَ مَانِعٌ فِي الْوَقْتِ وَأَدْرَكَ قَدْرَ صَلَاةٍ وَطُهْرٍ لَا يُقَدَّمُ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا، وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْفَرْضَ طُرُوُّ الْمَانِعِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَثَلًا فَيَكُونُ سَالِمًا مِنْ الْمَوَانِعِ وَقْتَ الظُّهْرِ فَلَا حَاجَةَ لِإِدْرَاكِ قَدْرِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ. قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وُجِدَ مَانِعٌ وَقْتَ الظُّهْرِ كَجُنُونٍ ثُمَّ زَالَ وَقْتَ الْعَصْرِ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَا ذُكِرَ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ جَمِيعَ الْوَقْتِ اج.

[الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ]

قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونَةُ) أَيْ الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ لِإِخْبَارِهِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ خَمْسٌ بِدَلِيلِ إفْرَادِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: وَالسُّنَنُ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ سَبْعَةُ عَشَرَ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ ثَلَاثَةٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَالتَّرَاوِيحُ. وَقَوْلُهُ: الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّلَوَاتُ الْمَسْنُونَةُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ مُرَادَهُ الصَّلَاةُ الْمَسْنُونُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، فَلِذَا صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهَا بِخَمْسٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مُطْلَقَ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَالتَّابِعُ لِلْفَرَائِضِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَسْنُونُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالنَّفَلُ إلَخْ) . وَقِيلَ إنَّ الْمَسْنُونَ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَالنَّفَلُ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَسَكَتَ عَنْ الْمُرَغَّبِ فِيهِ لِشُمُولِهِ لِكُلِّهَا هَذَا حَاصِلُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ رَاجِعًا لِهَذَا الْمُقَدَّرِ وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمَعْنَى وَهُوَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. قَوْلُهُ: (عِبَادَاتِ الْبَدَنِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيُخْرِجَ عِبَادَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>