الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ وَهُوَ: (خَمْسٌ الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ) وَرَتَّبْتهَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى حُكْمِ تَرْتِيبِهَا الْمَذْكُورِ وَلَهَا أَبْوَابٌ تُذْكَرُ فِيهَا وَقِسْمٌ لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ.
(وَ) مِنْهُ (السُّنَنُ) الرَّوَاتِبُ وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ وَقِيلَ هِيَ مَا لَهُ وَقْتٌ. وَالْحِكْمَةُ فِيهَا تَكْمِيلُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْقَلْبِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ. قَالَ سم: ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ كَتَفَكُّرِ سَاعَةٍ مَعَ صَلَاةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ وَعِبَادَاتُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ وَالتَّوْبَةِ وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ اهـ شَرَحَ م ر.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْإِسْلَامِ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَلْبٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْبَدَنِ وَأَمَّا نُسْخَةُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَفِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ جَعَلَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي الْفَضْلِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ بَعْدَ نَفْسِهِ وَقَبْلَهَا.
وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِيمَانُ فَرَجَعَ لِلْأُولَى. وَيُجَابُ أَيْضًا: بِأَنْ يُرَادَ بِالْإِسْلَامِ خُصُوصُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا الْمُرَكَّبُ مِنْ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ النُّطْقُ بِهِمَا مِنْ الْكَافِرِ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ النَّجَاةُ مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ فَنَفْعُهُ مُحَقَّقٌ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَفْعِهَا لِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِهَا. قَوْلُهُ: «إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي» ) فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لِلَّهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ غَيْرَ الصَّوْمِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الشَّخْصُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَعَدَمِهِ، فَنُسِبَ لِابْنِ آدَمَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ؛ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ فَأُضِيفَ لِلَّهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ تُمْكِنُ الْمُرَاءَاةُ بِالصَّوْمِ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا صَائِمٌ وَيَقْصِدُ الشُّهْرَةَ مَثَلًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ رِيَاءٌ بِالْقَوْلِ وَالْإِخْبَارُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. قَوْلُهُ: «أَجْزِي» ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَزَى يَجْزِي قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} [الإنسان: ١٢] قَوْلُهُ: (وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَحِفْظُ الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ. اهـ. سم. أَيْ: لِأَنَّهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. اهـ. ز ي. وَقَوْلُهُ: وَحِفْظُ الْقُرْآنِ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِحِفْظِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ تَعَلُّمُ وَاحِدٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (الْعِيدَانِ) أَيْ صَلَاتُهُمَا فَفِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعِيدَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا فِي ش قَوْلُهُ: (وَرُتْبَتُهَا إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَرْتَبَةَ الْعِيدَيْنِ وَاحِدَةٌ وَكَذَا الْكُسُوفَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ صَلَاةُ الْأَضْحَى أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَرُتْبَتُهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْعِيدَانِ ثُمَّ الْكُسُوفَانِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ، أَمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسٌ، فَالْأَفْضَلُ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُهُ أَنَّهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ، ثُمَّ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ، ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ) أَيْ بَلْ تُسَنُّ فُرَادَى فَلَوْ قَالَ: وَقِسْمٌ يُسَنُّ فُرَادَى لَكَانَ أَحْسَنَ لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ مِنْ إبَاحَةِ صَلَاتِهَا فُرَادَى اهـ اج.
قَوْلُهُ: (التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ) أَيْ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيَشْمَلُ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ وَهِيَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِتَقْيِيدِ الشَّارِحِ السُّنَنَ بِالرَّوَاتِبِ وَبِالنَّظَرِ لِلْمَتْنِ وَحْدَهُ تَكُونُ صِفَةً مُخَصِّصَةً. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَمَشْرُوعِيَّةُ النَّفْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْفَرْضِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَعِبَارَةُ خ ض وَهَلْ شُرِعَتْ رَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ تَرَاخَى ذَلِكَ عَنْهَا أَفَادَ شَيْخُنَا م ر الثَّانِي اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْحِكْمَةُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ فِي حَقِّنَا أَمَّا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَهِيَ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَقُومُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute