للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ

بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَهُوَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ، وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ: (وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ: الْأَوَّلُ (غُسْلُهُ) إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَحْلُولَ الْإِزَارِ، إذْ لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدَةٍ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُمَا، بَلْ يَخْلَعُهُمَا أَوْ يَلْبَسُهُمَا لِيَعْدِلَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَلِئَلَّا يَخْتَلَّ مَشْيُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ لُبْسًا وَيَسَارَهُ خَلْعًا وَأَنْ يَخْلَعَ نَحْوَ نَعْلَيْهِ إذَا جَلَسَ وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ وَبِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا، وَوَرَدَ: " امْشُوا حُفَاةً " وَفِي آخَرَ: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشَى حَافِيًا " وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبُ الْحَفَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَصْدِ التَّوَاضُعِ حَيْثُ أَمِنَ مُؤْذِيًا وَمُنَجِّسًا وَلَوْ احْتِمَالًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْحَفَاءُ مُخِلًّا بِمُرُوءَتِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الشَّهَادَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[فَصْلٌ فِي الْجِنَازَةِ]

ِ أَيْ بَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَحُكْمِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَا يُطْلَبُ فِيهَا وَمَا لَا يُطْلَبُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَوْ عِنْدَ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَهَمُّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ الصَّلَاةَ ذَكَرَ عَقِبَهَا.

قَوْلُهُ: (لُغَتَانِ) وَقِيلَ بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: أَصُلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْجِنَازَةِ وَأَتَى بِالْجِيمِ مَكْسُورَةً لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَكْسُورَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ الصِّحَّةُ إذَا أَرَادَ الْمَيِّتَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظٍ مَجَازِيٍّ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة بِكَسْرِ الْجِيمِ صَحَّتْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا النَّعْشَ اهـ قُلْت: وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيِّ، إذْ كَلَامُ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَيِّتَ وَكَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ النَّعْشَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَتَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ.

قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ إلَخْ) لَكِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي قَدْ هُجِرَتْ وَصَارَتْ الْجِنَازَةُ اسْمًا لِلْمَيِّتِ مُطْلَقًا؛ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ النِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ) وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِابْنِ آدَمَ:

اُنْظُرْ إلَيَّ بِعَقْلِك ... أَنَا الْمُهَيَّا لِنَقْلِك

أَنَا سَرِيرُ الْمَنَايَا ... كَمْ سَارَ مِثْلِي بِمِثْلِك

قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْمَعْنَى:

وَإِذَا حَمَلْتَ إلَى الْقُبُورِ جِنَازَةً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّك بَعْدَهَا مَحْمُولُ

وَإِذَا وَلِيتَ لِأَمْرِ قَوْمٍ مَرَّةً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّك عَنْهُمْ مَسْئُولُ

اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ جَنَزَهُ) بَابُهُ ضَرَبَ فَجَنَّ وَجَنَزَ بِمَعْنَى سَتَرَ؛ وَلِذَا سُمِّيَتْ بِهِ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ عَنَّا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ:

قَوْلُهُ " مِنْ جَنَزَهُ " أَيْ عَلَى سَائِرِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا، إذْ السَّتْرُ حَاصِلٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ النَّعْشَ سَاتِرٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ مَسْتُورٌ بِهِ اهـ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (فِي الْمَيِّتِ) فِي سَبَبِيَّةٍ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَلِأَجَلِهِ. اهـ. سم فَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>