للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِئَلَّا يَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا»

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَّصِفِينَ بِالْعِلْمِ وَأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ كَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّ مَا صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ يُنْدَبُ لَهُمْ لُبْسُهُ لِيُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا وَلْيُطَاعُوا فِيمَا عَنْهُ زَجَرُوا، وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِمْ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيهِ لِيَلْحَقُوا بِهِمْ، وَيُحَرَّمُ عَلَى غَيْرِ الصَّالِحِ التَّزَيِّيِ بِزِيِّهِمْ حَتَّى يُظَنَّ صَلَاحُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ الْعَالِمِ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَحْرِيمُ لُبْسِ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ لِغَيْرِ الشَّرِيفِ، فَقَدْ جُعِلَتْ الْعِمَامَةُ الْخَضْرَاءُ لِأَوْلَادِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ لِيَمْتَازُوا فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ آلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُبْسُهَا لِأَنَّهُ تَزَيَّا بِزِيِّهِمْ فَيُوهَمُ انْتِسَابُهُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُمَا وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَاعْلَمْهُ وَتَنَبَّهْ لَهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الصَّوَاعِقِ: وَلَمْ تَزَلْ أَنْسَابُ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ مَضْبُوطَةً عَلَى تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ وَأَحْسَابُهُمْ مَحْفُوظَةً عَنْ أَنْ يَدَّعِيَهُمْ الْجُهَّالُ وَاللِّئَامُ، وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ عَلَى اخْتِصَاصِ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ بَنِي فَاطِمَةَ مِنْ بَيْنِ ذَوِي الشَّرَفِ كَالْعَبَّاسِيِّينَ بِلِبْسِ الْأَخْضَرِ إظْهَارًا لِمَزِيدِ شَرَفِهِ.

وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمَأْمُونَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ فَاتَّخَذَ لَهُمْ شِعَارًا أَخْضَرَ وَأَلْبَسَهُمْ ثِيَابًا خُضْرًا لِكَوْنِ السَّوَادِ شِعَارَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَالْبَيَاضِ شِعَارَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي جُمَعِهِمْ وَنَحْوِهَا؛ وَالْأَحْمَرُ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ، وَالْأَصْفَرُ شِعَارُ الْيَهُودِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ ثُمَّ انْتَهَى عَزْمُهُ وَرُدَّ الْخِلَافَةُ لِبَنِي الْعَبَّاسِ فَبَقِيَ شِعَارَ الْأَشْرَافِ بَنَى الزَّهْرَاءِ، لَكِنَّهُمْ اخْتَصَرُوا الثِّيَابَ إلَى قِطْعَةِ ثَوْبٍ أَخْضَرَ تُوضَعُ عَلَى عِمَامَتِهِمْ شِعَارًا لَهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ إلَى أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَّامِنِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَمَرَ السُّلْطَانُ الْأَشْرَافَ أَنْ يَمْتَازُوا عَنْ النَّاسِ بِعَصَائِبَ خُضْرٍ عَلَى الْعَمَائِمِ؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ:

جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً ... إنَّ الْعَلَّامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ

نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيمِ وُجُوهِهِمْ ... يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ

وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ شَخْصٍ أُمُّهُ شَرِيفَةٌ وَأَبُوهُ غَيْرُ شَرِيفٍ: هَلْ هُوَ شَرِيفٌ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّهُ لَيْسَ شَرِيفًا فَهَلْ لَهُ شَرَفٌ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ أُمُّهُ شَرِيفَةً؟ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مِنْ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؟ وَمَا حُكْمُ لُبْسِ الْعِمَامَةِ الْخَضْرَاءِ لِلْأَشْرَافِ وَغَيْرِهِمْ؟ فَأَجَابَ: هَذَا الشَّخْصُ لَيْسَ شَرِيفًا؛ لِأَنَّ الشَّرِيفَ فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ، وَأَوْلَادُ بَنَاتِ الْإِنْسَانِ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ لَكِنْ يُعَدُّونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَلَهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ شَرَفٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَقَارِبِهِ، وَلُبْسُ الْعَلَامَةِ الْخَضْرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَإِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ السُّلْطَانِ الْأَشْرَفِ شَعْبَانِ بْنِ السُّلْطَانِ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا مِنْ أَرَادَ لُبْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْأَشْرَافِ؛ لَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي اجْتِنَابُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِلْأَشْرَافِ فَيُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الدَّاخِلَ فِينَا بِغَيْرِ نَسَبٍ وَالْخَارِجَ مِنَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ» حَشَرَنَا اللَّهُ فِي زُمْرَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ فَإِنَّنَا مِنْ مُحِبِّيهِمْ وَخِدْمَةِ جَنَابِهِمْ، وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا رَجَا أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَصَقَلَهَا) أَيْ: الْأَوْلَى تَرْكُ صَقْلِهَا وَلُبْسُ خَشِنٍ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ خِلَافُ السُّنَّةِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ؛ وَيُسَنُّ لُبْسِ الْعَذْبَةِ وَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا، إذْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ، وَيَحْرُمُ إطَالَتُهَا طُولًا فَاحِشًا وَإِنْزَالُ ثَوْبِهِ وَإِزَارِهِ عَنْ كَعْبَيْهِ لِلْخُيَلَاءِ لِلْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْوَارِدِ فِيهِ، فَإِنْ انْتَفَتْ الْخُيَلَاءُ كُرِهَ وَيُسَنُّ فِي الْكُمِّ كَوْنُهُ إلَى الرُّسْغِ لِلِاتِّبَاعِ، وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ؛ وَلِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ إلَى ذِرَاعٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ لِمَا صَحَّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَوْجُهُ أَنَّ الذِّرَاعَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْكَفَّيْنِ، وَقِيلَ: مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ؛ وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، نَعَمْ لَوْ صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ نُدِبَ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا اهـ شَرْحُ م ر أج.

قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ إلَخْ) أَيْ وَلَمَّا قِيلَ: إنَّ طَيَّهَا يَرُدُّ إلَيْهَا أَرْوَاحَهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي لُبْسِ نَحْوِ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَفُرْجِيَّةٍ وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>