للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالْعَصْرُ) أَيْ صَلَاتُهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُعَاصَرَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ، (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى ظِلِّ التَّلِّ) وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: فَإِنْ جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ بِأَقَلِّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقِيلَ فَاصِلَةٌ.

(وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى ظِلِّ الْمِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ؛ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَارِّ وَسُمِّيَ مُخْتَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَفِي الْإِقْلِيدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ، وَقَوْلُ جِبْرِيلَ فِي الْحَدِيثِ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» . مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ.

(وَ) آخِرُهُ فِي وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْحُرْمَةُ وَالضَّرُورَةُ، وَأَمَّا وَقْتُ الْكَرَاهَةِ فَخَاصٌّ بِمَا عَدَا الظُّهْرَ وَانْظُرْ حِكْمَتَهُ وَوَقْتُ الْعُذْرِ خَاصٌّ بِمَا عَدَا الصُّبْحَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ أَصْلًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْجَوَازِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ تَدْخُلُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَخْرُجُ مُتَعَاقِبَةً إلَّا فِي الْمَغْرِبِ، فَإِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ فِيهِ دُخُولًا وَخُرُوجًا، وَإِلَّا فِي الظُّهْرِ فَإِنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ وَالِاخْتِيَارِ يَتَّحِدَانِ خُرُوجًا أَيْضًا. وَجُمْلَةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إمَّا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا أَوْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا إذَا اعْتَبَرْنَا مَفْهُومَ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ فِي الْمَغْرِبِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الطُّوخِيِّ.

[وَقْتُ الْعَصْرِ]

قَوْلُهُ: (أَيْ صَلَاتُهَا) كَذَا فَعَلَ فِي سَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ، وَذَكَرَ الضَّمِيرَ فِي بَعْضِهَا مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْوَقْتِ، وَكَوْنِ مَعْنَاهُ الزَّمَانَ وَأَنَّثَ فِي بَعْضِهَا نَظَرًا لِكَوْنِ الْوَقْتِ بِمَعْنَى اللَّحْظَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ فِي الشَّرْعِ أَسْمَاءً لِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ، وَإِلَى هَذَا يُومِئُ كَلَامُ شَارِحِهِ الْعَبَّادِيِّ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُ ذَلِكَ إلَيْهِ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (لِمُعَاصَرَتِهَا) أَيْ مُقَارِبَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمُعَاصَرَةَ هِيَ الْمُقَارَنَةُ بِالنُّونِ كَمَا يُقَالُ: مُعَاصِرٌ لِفُلَانٍ أَيْ مُقَارِنٌ لَهُ، وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ مُقَارِنَةً لِلْغُرُوبِ، وَلَوْ قِيلَ لَتَنَاقَصَ ضَوْءُ الشَّمْسِ مِنْهَا حَتَّى يَفْنَى تَشْبِيهًا بِتَنَاقُصِ الْغُسَالَةِ مِنْ الثَّوْبِ بِالْعَصْرِ حَتَّى تَفْنَى أَيْ الْغُسَالَةُ لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا قَالَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَهَذَا قَوْلٌ مِنْ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ النَّهَارِيَّةِ وَاللَّيْلِيَّةِ فَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» . فَائِدَةٌ: حُبِسَتْ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَاهُمَا: يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِيَةُ: صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أَخْبَرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ اهـ. قَوْلُهُ: (الزِّيَادَةُ) أَيْ وَقْتُ الزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ لِلشَّيْءِ بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ سم.

قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ) لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يَصْدُقُ بِأَدْنَى زِيَادَةٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ التَّنْبِيهِ أَصْرَحُ فِي الْأَدْنَى بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمَتْنِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ جَاوَزَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَصِحُّ الْجُمُعَةُ حِينَئِذٍ أَيْ: إنْ أَمْكَنَ إيقَاعُهَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا تَصِحُّ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ نِيَّةُ الْعَصْرِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَصِحُّ حِينَئِذٍ لِدُخُولِ وَقْتِهَا، وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْخُلْفُ مَعْنَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ الَّذِي يُخْتَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَعَلَى وَقْتِ الْجَوَازِ فِي الظُّهْرَيْنِ إذْ لَا يُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا. اخْتِيَارًا كَمَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ: (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>