للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى فِي عَشْرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّ دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ

(وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ) فِي الْمَكْتُوبَاتِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهَذَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِرِجَالٍ أَحْرَارٍ مُقِيمِينَ غَيْرِ عُرَاةٍ فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ أَيْ غَلَبَ فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، فَتَجِبُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَرْبَعُونَ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الْجَمَاعَةُ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ " أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ مَعَ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا يُقَالُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ. لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ هُنَا عَلَى الِاثْنَيْنِ بِالْجَمَاعَةِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مَأْخَذُهُ التَّوْقِيفُ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ بَحْثٌ لُغَوِيٌّ مَأْخَذُهُ اللِّسَانُ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ أَيْ بِخِلَافِ الْجَمْعِ. فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَغَلِطَ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُمْ: يُطْلَقُ الْجَمْعُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَهُوَ الِاثْنَانِ أَيْ مَجَازًا، وَلِذَا قَالَ الرَّحْمَانِيُّ وَالْخِلَافُ فِي اللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْجَمْعِ كَرِجَالٍ وَزَيْدَيْنِ لَا فِي لَفْظِ ج م ع فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ اهـ.

[حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

قَوْلُهُ: (فِي الْمَكْتُوبَاتِ) قَيَّدَ بِهَا لِأَجْلِ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَهِيَ سُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا قَطْعًا كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ ق ل قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْجُمُعَةِ) بِنَصْبِ غَيْرٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَيُمْنَعُ الْجَرُّ نَعْتًا لِلْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ لِتَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بَيْنَ ضِدَّيْنِ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ لِأَنَّهَا إنْ جُرَّتْ لَزِمَ عَلَيْهِ نَعْتُ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ قَالَ سم، وَقَدْ يُقَالُ الْفَرَائِضُ هُنَا مَا عَدَا الْجُمُعَةَ مِنْ الْخَمْسِ وَهِيَ أَيْ الْجُمُعَةُ مُضَادَّةٌ لِمَا عَدَاهَا لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ هُمَا الْأَمْرَانِ الْوُجُودِيَّانِ اللَّذَانِ لَا يَصْدُقَانِ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلْتَتَعَرَّفْ غَيْرُ هُنَا وَحِينَئِذٍ تَكُونُ نَعْتًا لِلْمَكْتُوبَاتِ اهـ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ (سُنَّةٌ) أَيْ سُنَّةُ عَيْنٍ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي جَمَاعَةٍ فَلِذَلِكَ قَالَ سم: الْمُرَادُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ اهـ. فَالْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ: (فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ ز ي قَوْلُهُ: (لِرِجَالٍ) أَيْ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: (أَحْرَارٍ) أَيْ كَامِلِينَ الْحُرِّيَّةِ ق ل. قَوْلُهُ: (مُقِيمِينَ) وَلَوْ بِغَيْرِ اسْتِيطَانٍ قَوْلُهُ: (غَيْرِ عُرَاةٍ) أَيْ وَغَيْرِ مَعْذُورِينَ وَغَيْرِ مُؤَجَّرِينَ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى عَمَلٍ نَاجِزٍ، فَلَا تَجِبُ عَلَى نَحْوِ مَرِيضٍ وَلَا عَلَى أَجِيرٍ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ ق ل. وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ عُرَاةٍ دُونَ أَنْ يَقُولَ مَسْتُورِينَ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ السِّتْرِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا مَسْتُورِينَ بِنَحْوِ طِينٍ، وَلَا يَسْتَدْعِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ عُذْرٌ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ) أَيْ غَيْرِ جُمُعَةٍ ظَاهِرُهُ وَإِنْ وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُوبِ إعَادَتِهَا كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهَا فَتُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ كَمَا تُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَظُهْرِ الْمَعْذُورِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الشِّعَارَ يَظْهَرُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ظُهُورِ شِعَارٍ آخَرَ فِي غَيْرِهَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الشِّعَارَ لَوْ تَوَقَّفَ ظُهُورُهُ عَلَى جَمَاعَةِ الظُّهْرِ كَانَتْ وَاجِبَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ شَأْنِهِ الظُّهُورُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مَا مِنْ ثَلَاثَةٌ) مِنْ زَائِدَةٌ وَثَلَاثَةٌ مُبْتَدَأٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ قَرْيَةٍ صِفَةٌ، أَيْ كَائِنُونَ فِي قَرْيَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَا تُقَامُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ. وَقَوْلُهُ: إلَّا اسْتَحْوَذَ خَبَرٌ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَالْحَلَبِيِّ قَوْلُهُ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَدْوٍ " إلَخْ كَأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَخْذِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إنَّ اسْتِحْوَاذَ الشَّيْطَانِ، أَيْ غَلَبَتَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْبُعْدُ عَنْ الرَّحْمَةِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا عَيْنٍ بِقَوْلِهِ: فِيهِمْ وَلَمْ يَقُلْ يُقِيمُونَ. وَقَالَ ق ل: إنَّ الْحَدِيثَ تَحْذِيرٌ عَنْ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِثْمُ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ قَوْلُهُ: (فَعَلَيْكَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَمْسِكْ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِذَلِكَ لِوُجُودِ الْبَاءِ فِي الْمَفْعُولِ فَهُوَ مِثْلُ «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ» وَصَرَّحَ الرَّضِيُّ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي مِثْلِهِ زَائِدَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ خِلَافُ الْأَصْلِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الشَّنَوَانِيِّ قَوْلُهُ: (الْقَاصِيَةَ) أَيْ الْبَعِيدَةَ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ: يَأْكُلُ قَوْلُهُ: (بِمَحَالٍّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>