كِتَابُ الْعِتْقِ
بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ وَاسْتَقَلَّ فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ تَخَلَّصَ وَاسْتَقَلَّ وَشَرْعًا إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ آدَمِيٍّ لَا إلَى مَالِكٍ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ الْبَهِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا. كَمَا فِي زَوَايَا الْخَبَايَا عَنْ الرَّافِعِيِّ لَوْ مَلَكَ طَائِرًا وَأَرَادَ إرْسَالَهُ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧]
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْعِتْقِ]
ِ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ كِتَابَهُ بِالْعِتْقِ رَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُهُ مِنْ النَّارِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ كِتَابَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِهِ يَسْتَعْقِبُ الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ الْعِتْقُ فِيهِ عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ، وَالْعِتْقُ فِيهِ قَهْرِيٌّ مَشُوبٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ بِهِ حُصُولَ وَلَدٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِيلَادِ لِتَرَتُّبِ سَبَبِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَلِحُصُولِ الْمُسَبَّبِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوَّلًا شَرْحُ م ر وع ش. وَالْعِتْقُ بِالْقَوْلِ: مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِدَلِيلِ عِتْقِ ذِي الْكُرَاعِ الْحِمْيَرِيِّ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِدَلِيلِ عِتْقِ أَبِي لَهَبٍ ثُوَيْبَةَ لَمَّا بَشَّرَتْهُ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالِاسْتِيلَادِ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ سَوَاءٌ الْمُنْجَزُ وَالْمُعَلَّقُ وَأَمَّا صِيغَتُهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَتْ قُرْبَةً وَإِلَّا كَانَتْ قُرْبَةً كَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ مَثَلًا، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ فَلَيْسَ قُرْبَةً لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ حُصُولُ عِتْقٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَكُونُ قُرْبَةً وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ حَتَّى مِنْ الْكَافِرِ فَيُخَفَّفُ بِهِ عَنْهُ عَذَابُ غَيْرِ الْكُفْرِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْعِتْقُ: اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْتَقَ وَالْمَصْدَرُ الْإِعْتَاقُ وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ مَا يَشْمَلُ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ صِيغَةٍ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَتْنُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِيهِ قُصُورٌ عَلَى مَا كَانَ بِصِيغَةٍ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ. كَذَا قِيلَ: وَقَالَ الْعَنَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفَ. وَهُوَ قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْمِلْكِ إذْ الْعِتْقُ زَوَالُ الْمِلْكِ. وَهُوَ أَثَرُ الْإِعْتَاقِ، وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ سَبَبُهُ ذِلَّةُ الْكُفْرِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ، وَإِرَادَةِ السَّبَبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَازِمٌ مُطَاوِعٌ لِأَعْتَقَ إذْ يُقَالُ: أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَعَتَقَ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ: مُتَعَدِّيًا فَيُقَالُ: عَتَقْت الْعَبْدَ.
قَوْلُهُ: (مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقْلَالُ وَالْإِطْلَاقُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ السَّبْقَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَلَّ) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: (تَخَلَّصَ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا سَبَقَ لِأَنَّ الْفَرَسَ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (إزَالَةُ مِلْكٍ) الْمُرَادُ بِالْإِزَالَةِ مَا تَشْمَلُ الزَّوَالَ لِيَدْخُلَ فِيهِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ: لَا إلَى مِلْكٍ أَيْ خَاصٍّ فَخَرَجَ الْوَقْفُ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَنْ قَالَ: أَزَالَ الرِّقَّ عَنْ آدَمِيٍّ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُهُ: لَا إلَى مَالِكٍ دَخَلَ فِيهِ الْوَقْفُ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: إزَالَةُ الْمِلْكِ ذَاتًا وَمَنْفَعَةً فَالْمَنَافِعُ فِي الْوَقْفِ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَقَرُّبًا) هُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْقُيُودِ، لَا لِلِاحْتِرَازِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ نَعَمْ إنْ أَرْسَلَ مَأْكُولًا بِقَصْدِ إبَاحَتِهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ وَلِآخِذِهِ أَكْلُهُ فَقَطْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ) جَمْعُ سَائِبَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute