أَيْ بِالْإِسْلَامِ: {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ» وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَقَبَتُهُ وَقَوْلُهُ: «حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إمَّا لِأَنَّ ذَنْبَهُ فَاحِشٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ. فَائِدَةٌ أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَعْتَقَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - تِسْعًا وَسِتِّينَ وَعَاشَتْ كَذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ وَأَعْتَقَ ذُو الْكُرَاعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتَسْرَحُ لَا تُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا.
قَوْلُهُ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] أَيْ مِنْ الرِّقِّ بِأَنْ أَعْتَقَهَا فَيُقْرَأُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَمِثْلُهُ: أَطْعَمَ، وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى فَالْأَوْلَى بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ فِيهِمَا مَرْفُوعَيْنِ لَكِنْ بِإِضَافَةِ الْأَوَّلِ وَتَنْوِينِ الثَّانِي، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: اقْتَحَمَ أَوْ بَيَانٌ لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ. فَفَكُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ وَتَكُونُ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَيَكُونُ الْمُبْتَدَأُ الْمُقَدَّرُ وَهُوَ لَفْظُ هُوَ عَائِدًا عَلَى مُضَافٍ مُقَدَّرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: ١٢] . أَيْ مَا اقْتِحَامُهَا هُوَ أَيْ اقْتِحَامُهَا فَكُّ إلَخْ وَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ لِأَجْلِ أَنْ يُفَسِّرَ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الِاقْتِحَامُ بِالْمَصْدَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ إعْرَابِ السَّمِينِ. وقَوْله تَعَالَى أَيْ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، لَمَّا أَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] . قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ) عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» اهـ وَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ اهـ. أج وَحَتَّى يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ هُنَا الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى، فَإِنَّ الْغَايَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَحْتَمِلُ الْأَدْنَى لِشَرَفِ أَعْضَاءِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْأَعْلَى فَإِنَّ حِفْظَهُ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ:. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَالْفَرْجُ يَشْمَلُ الدُّبُرَ وَالْقُبُلَ وَسُمِّيَ فَرْجًا لِانْفِرَاجِهِ أَيْ انْفِتَاحِهِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِتْقَ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الْفَرْجِ الزِّنَا وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلْعِتْقِ مَزِيَّةً عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَيْضًا يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ. اهـ. عَنَانِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةً) لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (كَالْغُلِّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ الْحَبْلِ وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ الْحِقْدُ فِي الصَّدْرِ، شَبَّهَ التَّخَلُّصَ مِنْ الرِّقِّ بِفَكِّ الْحَبْلِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَاسْتَعَارَ الْفَكَّ لِلتَّخَلُّصِ فَتَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً أَصْلِيَّةً.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُحْتَبَسٌ) أَيْ مَحْبُوسٌ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْمِلْكِ قَوْلُهُ: (قَدْ يَخْتَلِفُ) كَعِتْقِ الْأَمَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ وَاضِحًا وَالْمُعْتِقُ خُنْثَى هَلْ يُعْتَقُ الْعُضْوُ الزَّائِدُ مِنْهُ تَبَعًا أَمْ لَا رَاجِعْهُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُنْثَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ إنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِنَقْضِ الْأَوَّلِ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْكُفْرُ الَّذِي هُوَ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ حَتَّى مِنْ الزِّنَا م د. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَنْبَ الْفَرْجِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ إذَا كَفَرَ بِهِ وَتَابَ بِأَنْ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ.
قَوْلُهُ: (نَسَمَةً) أَيْ إنْسَانًا. جَوْهَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً) لَوْ قَالَ: وَعَاشَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ كَمَا قَالَ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) بِوَزْنِ أَمِيرٍ وَحِزَامٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute