الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ، آمِينَ.
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُعْتِقٌ وَعَتِيقٌ وَصِيغَةٌ؛ وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ) لِلرَّقَبَةِ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ) أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارٍ وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ، بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ. وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ. وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ تُعَدَّ الصَّفْقَةُ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ.
وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (ذُو الْكُرَاعِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ الْحِمْيَرِيُّ، نِسْبَةٌ إلَى حِمْيَرَ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَهُوَ أَيْ الْكُرَاعُ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخَيْلِ أَيْ صَاحِبُ الْخَيْلِ.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ. قَوْلُهُ: (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) أَيْ نَافِذُ التَّصَرُّفِ.
قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) هُوَ بِمَعْنَى، الْمَتْنِ لَكِنَّهُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَخْرُجُ لِمُكَاتَبٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزَ التَّصَرُّفِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ لَوْ أَوْصَى بِهِ السَّفِيهُ أَوْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ. أَوْ الْإِمَامُ قِنَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَأْتِي، أَوْ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ رَاهِنٌ مُوسِرٌ لِمَرْهُونٍ أَوْ وَارِثٌ مُوسِرٌ لِقِنِّ التَّرِكَةِ صَحَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ وَكِيلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ: لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ أَيْ بِسَبَبِ قَتْلٍ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَأَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَالْوَلَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ مَالُهُ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُفْلِسُ، فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ كَالتَّدْبِيرِ فَيَصِحُّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ) : أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ عَنْهُ الرِّقُّ، فَيَصِيرُ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٌ) أَيْ لَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَلَا مُعَلَّقًا وَلَا مُنْجَزًا. قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ) مُرْتَبِطٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَيُتَصَوَّرُ إلَخْ وَكَذَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ الصَّبِيَّ، فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْعِتْقِ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ وَأَعْتَقَ فَيَصِحُّ؛ أَيْ عِتْقُ الْوَلِيِّ عَنْ كَفَّارَةِ الصَّبِيِّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الْعِتْقِ) أَيْ الْإِعْتَاقِ: قَوْلُهُ: (وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ) : وَفَائِدَةُ ثُبُوتِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَسْلَمَ. وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (مُسْلِمًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ) : كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَتِيقُ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِلْمَحَلَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْعِتْقَ قَوْلُهُ: (يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَرْتِيبٌ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ) وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ وَإِلَّا فَقُرْبَةٌ حَيْثُ كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجْرِي فِي التَّعْلِيلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ بِفِعْلِهِ مُبَالِيًا أَوْ لَا. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ. أَيْ التَّعْلِيقِ مِنْ نَحْوِ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ وَمُفْلِسٍ وَمُرْتَدٍّ شَرْحُ م ر. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي التَّعْلِيقِ بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ يَكُونُ قُرْبَةً وَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهُوَ قُرْبَةٌ إجْمَاعًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَالتَّدْبِيرِ) مِثَالُ الْمُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَمِثَالُ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) : أَيْ فِي التَّعْلِيقِ أَيْ فِي صِحَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَكَسْبُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِلْوَارِثِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِتْقِ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالِكُ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ نَافِذٌ وَالشَّارِعُ مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْوَارِثُ. اهـ. . وَسَيَأْتِي فِي التَّدْبِيرِ لِلشَّارِحِ التَّصْرِيحُ