للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: فِي الْوَكَالَةِ

هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً التَّفْوِيضُ يُقَالُ وَكَلَ أَمْرَهُ إلَى فُلَانٍ فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَمِنْهُ {تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} [هود: ٥٦] وَشَرْعًا تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥] وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ»

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ وَمُوَكَّلٌ فِيهِ وَصِيغَةٌ

وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوَكِّلِ فَقَالَ: (وَكُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ) بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ (جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ) غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَبِنَائِبِهِ أَوْلَى. وَهَذَا فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

[فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ]

مَصْدَرُ " وَكَلَ " بِالتَّخْفِيفِ وَاسْمُ مَصْدَرِ " وَكَلَ " أَوْ " تَوَكَّلَ " بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا. وَذَكَرَهَا بَعْدَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ جَائِزٌ يَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ كَالشَّرِيكِ وَفِي الشَّرِكَةِ مَعْنَى التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا النَّدْبُ، وَقَدْ تَحْرُمُ إنْ كَانَ فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى حَرَامٍ، وَتُكْرَهُ إنْ كَانَ فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَتَجِبُ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا دَفْعُ ضَرُورَةِ الْمُوَكِّلِ كَتَوْكِيلِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَهُ فِي شِرَاءِ طَعَامٍ قَدْ عَجَزَ الْمُضْطَرُّ عَنْ شِرَائِهِ. وَقَدْ تُتَصَوَّرُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ حَاجَةٌ فِي الْوَكَالَةِ وَسَأَلَهُ الْوَكِيلُ لَا لِغَرَضٍ، اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (يُقَالُ وَكَلَ) بِتَخْفِيفِ الْكَافِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. قَوْلُهُ: (تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ إلَخْ) هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُ الصُّوَرَ الْمُسْتَثْنَاةَ الْآتِيَةَ، فَهُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ) أَيْ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، فَلَا دَوْرَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. وَوَجْهُ الدَّوْرِ أَنَّ النِّيَابَةَ هِيَ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ أَخَذْت فِي تَعْرِيفِهَا فَخَرَجَ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ.

قَوْلُهُ: (لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ) خَرَجَ الْإِيصَاءُ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ: لَا لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهِيَ أَحْسَنُ إذْ هِيَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ أَصْلًا كَأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا، وَبِمَا إذَا قُيِّدَ بِحَالِ الْحَيَاةِ كَأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي كَذَا حَالَ حَيَاتِي، فَلْيُتَأَمَّلْ: لِكَاتِبِهِ أج. وَقَدْ اشْتَمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ، ثَلَاثَةٌ صَرِيحَةٌ وَالصِّيغَةُ بِالِالْتِزَامِ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ. وَاشْتَمَلَ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى قُيُودٍ ثَلَاثَةٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مَنْطُوقُهُ هُوَ أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ يُوَكَّلُ فِيهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَا يُوَكَّلُ فِيهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْغَالِبِ، فَهُوَ كَالْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا.

قَوْلُهُ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا} [النساء: ٣٥] وَهُمَا وَكِيلَانِ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا جَازَ) بِالرَّفْعِ، وَتُكْتَبُ مَفْصُولَةً مِنْ " مَا " إذَا كَانَتْ غَيْرَ ظَرْفٍ كَمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتُكْتَبُ مَوْصُولَةً إنْ كَانَتْ ظَرْفًا، أَيْ وَتَكُونُ حَالَةَ الِاتِّصَالِ مَنْصُوبَةً نَحْوَ: كُلَّمَا جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْته؛ اهـ مَرْحُومِيٌّ بِالْمَعْنَى. وَحَاصِلُ مَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ أَرْبَعُ قَوَاعِدَ: اثْنَانِ بِالْمَنْطُوقِ، وَاثْنَانِ بِالْمَفْهُومِ. بَيَانُ الْأُولَى: كُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ. وَالثَّالِثَةُ كُلُّ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَمَفْهُومُهُ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ غَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ كَمَا شَرَحَ فِي الْمَنْهَجِ مَرْحُومِيٌّ. فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَلَا " وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ: " لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَفْهُومِ الْمَتْنِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ هَذَا الْمَفْهُومِ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْمَتْنِ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَفْهُومِ فَأَتَى بِالتَّعْلِيلِ دَلِيلًا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ مَنْطُوقُ الْمَتْنِ وَمَفْهُومُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>