للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمْدٍ، أَوْ عَمْدًا، وَعُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ بِتَحَامُلِهِمْ عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُوضِحَةً مِثْلَهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ.

فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ وَهِيَ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْوَاجِبِ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ.

(وَالدِّيَةُ) الْوَاجِبَةُ ابْتِدَاءً، أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً أَيْ بِغَيْرِ اضْطِرَابِ الْجَانِي وَحْدَهُ بِأَنْ كَانَ بِاضْطِرَابِ الْمُقْتَصِّ، أَوْ بِاضْطِرَابِهِمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَابٍ فَإِنْ كَانَ بِاضْطِرَابِ الْجَانِي فَهَدَرٌ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُقْتَصُّ: حَصَلَ بِاضْطِرَابِك يَا جَانِي، وَقَالَ: لَا؛ صُدِّقَ الْجَانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاضْطِرَابِ فَلَوْ كَانَ بِاضْطِرَابِهِمَا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِمَا فَيُهْدَرَ النِّصْفُ الْمُقَابِلُ لِفِعْلِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، شَرْحَ م ر وَز ي.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ) وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ) فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ لِلدِّيَةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قِسْطُهُ كَمَا قَطَعَ بِهِ، الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ لَا دِيَةَ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٌ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ عَزْوُ الْأَوَّلِ لِلْإِمَامِ وَالثَّانِي لِلْبَغَوِيِّ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَلَوْ آلَ الْأَمْرُ لِلدِّيَةِ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ أَرْشٌ كَامِلٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، اهـ. لِصِدْقِ اسْمِ الْمُوضِحَةِ عَلَى فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلٍ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَإِنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ صِدْقِ الْقَتْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ. اهـ. ز ي.

[فَصْلٌ فِي الدِّيَةِ]

قَوْلُهُ: (فِي الدِّيَةِ) هَاؤُهَا عِوَضٌ مِنْ فَاءِ الْكَلِمَةِ لِأَنَّ أَصْلَهَا وِدْيٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدْيِ بِفَتْحِهَا وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ يُقَالُ وَدَيْت الْقَتِيلَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَدِيهِ وَدْيًا.

وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَمَا فِي السِّيَرِ. اهـ. م د وَيُقَالُ: فِي الْأَمْرِ " دِ " الْقَتِيلَ بِدَالٍ مَكْسُورَةٍ لَا غَيْرُ، وَإِنْ وَقَفْتَ قُلْتَ " دِهْ ".

سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ دِيَةً تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَقَوْلُ الْمُحَشِّي وَدِيت بِكَسْرِ الدَّالِ غَيْرُ صَوَابٍ بَلْ الصَّوَابُ فَتْحُهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُرِّ) خَرَجَ الرَّقِيقُ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ تَشْبِيهًا لَهُ بِالدَّوَابِّ بِجَامِعِ الْمِلْكِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فِيمَا دُونَهَا) كَالْأَعْضَاءِ وَغَلَّبَهَا عَلَى الْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْحُرِّ لِشَرَفِهَا، وَإِلَّا فَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِيهِ أَرْشٌ لَا دِيَةٌ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: وَدِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ تَجَوُّزٌ بِالدِّيَةِ عَلَى الْقِيمَةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَتَلَتْ رَجُلًا يَلْزَمُهَا دِيَتُهَا لَا دِيَةُ رَجُلٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ فَإِنْ قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا، ثُمَّ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الدِّيَةِ لَزِمَتْهَا دِيَتُهُ وَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ لَمْ يَلْزَمْهَا إلَّا دِيَةُ امْرَأَةٍ وَلَوْ قَتَلَهَا لَزِمَهُ دِيَتُهَا، لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسِ الْمَقْتُولِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْقَوَدَ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي كَانَ كَحَيَاةِ نَفْسِ الْقَتِيلِ فَكَانَ أَخْذُ الدِّيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ لَا عَنْ نَفْسِ الْقَتِيلِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، لِأَنَّ الْقَوَدَ كَحَيَاةِ الْقَتِيلِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] أَيْ مَعَ بَيَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتِلْكَ الدِّيَةِ بِقَوْلِهِ «وَفِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (طَافِحَةٌ) أَيْ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ أَيْ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ، أَيْ مُمْتَلِئَةٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: طَفَحَ الْإِنَاءُ طُفُوحًا إذَا امْتَلَأَ حَتَّى يَفِيضَ وَبَابُهُ خَضَعَ.

قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>