فَصْلٌ: فِي الْهِبَةِ تُقَالُ لِمَا يَعُمُّ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَلِمَا يُقَابِلُهُمَا وَاسْتُعْمِلَ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهَا وَالثَّانِي فِي أَرْكَانِهَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَالْهِبَةُ بِرٌّ وقَوْله تَعَالَى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُحَقِّرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْهِبَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا أَسْبَابٌ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ مِنْهَا الْهِبَةُ لِأَرْبَابِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
خَاتِمَةٌ: فِي الدَّمِيرِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَقْفِ: قَالَ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ: قَالَ: لِي ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ وَقْفِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفُهَا لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فِي مَدْرَسَةِ الصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَنَظِيرُهُ إحْدَاثُ مِنْبَرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جُمُعَةٌ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إحْدَاثُ كُرْسِيِّ مُصْحَفٍ مُؤَبَّدٍ يُقْرَأُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ؛ وَالْعَجَبُ مِنْ قُضَاةٍ يُثْبِتُونَ وَقْفَ ذَلِكَ شَرْعًا (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)
[فَصْلٌ فِي الْهِبَةِ]
ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْوَقْفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَرُّعٌ وَتَمْلِيكٌ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَكَرَهَا عَقِبَ الْوَقْفِ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَعَ الْعَيْنِ كَمَا أَنَّ الْوَقْفَ كَذَلِكَ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَبَّ إذَا مَرَّ لِمُرُورِهَا مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ اسْتَيْقَظَ لِتَيَقُّظِ فَاعِلِهَا لِلْإِحْسَانِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا يَعُمُّ إلَخْ) . فَتَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ فِيمَا إذَا نَقَلَ إلَيْهِ شَيْئًا إكْرَامًا وَقَصَدَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: ١٧٧] أَيْ حُبِّ اللَّهِ. " وَعَلَى " لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ حُبِّ اللَّهِ، أَوْ الضَّمِيرُ يَعُودُ لِلْمَالِ وَتَكُونُ " عَلَى " بِمَعْنَى " مَعَ ".
قَوْلُهُ: (لَا تُحَقِّرَن) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلْمُعْطِيَةِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمَهْدِيِّ إلَيْهَا. قُلْت: وَلَا يَتِمُّ حَمْلُهُ إلَيْهَا إلَّا بِجَعْلِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِجَارَتِهَا بِمَعْنَى مِنْ وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ اهـ فَتْحُ الْبَارِي شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَالنَّهْيُ لِلْمُهْدِيَةِ وَالْمُهْدَى إلَيْهَا؛ وَالْمَعْنَى لَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنْ إهْدَاءِ شَيْءٍ قَلِيلٍ بَلْ تَجُودُ بِمَا تَيَسَّرَ لَهَا وَلَا تَمْتَنِعُ جَارَةٌ مِنْ قَبُولِهَا مَا أُهْدِيَ لَهَا وَإِنْ قَلَّ، وَأُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إهْدَاءِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَقَبُولِهِ لَا إلَى حَقِيقَةِ الْفِرْسِنِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِهْدَائِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطَتْ سَائِلًا حَبَّةَ عِنَبٍ فَأَخَذَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ اسْتِحْقَارًا لَهَا فَقَالَتْ لَهُ زَجْرًا: كَمْ فِي هَذِهِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] . اهـ. قِ ل.
قَوْلُهُ: (فِرْسِن) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِ السِّينِ قَوْلُهُ (أَيْ ظِلْفَهَا) فَسَّرَ الْفِرْسِنَ بِهِ لِإِضَافَتِهِ فِي الْحَدِيثِ لِلشَّاةِ فَإِنَّ الَّذِي لِلشَّاةِ هُوَ الظِّلْفُ لَا الْفِرْسِنُ لِأَنَّهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّةً فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الظِّلْفِ فِي الْحَدِيثِ مَجَازٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفِرْسِنُ عَظْمٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ وَهُوَ مِنْ الْبَعِيرِ كَالْحَافِرِ لِلدَّابَّةِ وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلشَّاةِ فَيُقَالُ فِرْسِنُ شَاةٍ وَاَلَّذِي لِلشَّاةِ هُوَ الظِّلْفُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَالْمُرَادُ الظِّلْفُ الْمَشْوِيُّ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُحْرِقِ إذْ لَوْ حُمِلَ الْمُحْرِقُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الظِّلْفَ يَكُونُ لِلْبَقَرِ أَيْضًا وَاَلَّذِي لِنَحْوِ الْحِمَارِ فِي مَحَلِّهِ حَافِرٌ وَلِلطَّيْرِ ظُفْرٌ.
قَوْلُهُ: (تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ إمَّا لِلْحُرْمَةِ أَوْ لِلْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، وَلَا تُبَاحُ لِأَنَّ وَضْعَهَا النَّدْبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute