للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُتَّهَبُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَهِيَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ فِي حَيَاةٍ فَخَرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةُ وَالضِّيَافَةُ وَالْوَقْفُ وَبِالتَّطَوُّعِ غَيْرُهُ كَالْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ فَإِنْ مَلَكَ لِاحْتِيَاجٍ أَوْ لِثَوَابِ آخِرَةٍ فَصَدَقَةٌ أَيْضًا أَوْ نَقَلَهُ لِلْمُتَّهَبِ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ

(وَأَرْكَانُهَا) بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَوْهُوبٌ، وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ) بِالْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّاءَ مِنْ جَازَ هِبَتُهُ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَأْنِيثَ الْهِبَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ أَوْ لِمُشَاكَلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْهَا الْهِبَةُ لِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ) لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ إذَا كَانَتْ وَسِيلَةً لِمُحَرَّمٍ، كَإِقَامَةِ بَاطِلٍ أَوْ تَرْكِ حَقٍّ، وَإِلَّا فَلَا تَحْرُمُ، وَقَدْ وَرَدَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» لِأَنَّهَا تُذْهِبُ الْبَرَكَةَ، أَوْ لِأَنَّهَا تُسْحِتُ فِي النَّارِ أَيْ تُلْقِيهِ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْصِيَةٍ) أَيْ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَوْ ظُنَّ وَإِلَّا فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالًا لِلْوَاجِبَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَهَا.

قَوْلُهُ: (تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ فِي حَيَاةٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُ امْتِنَاعُ الْهِبَةِ لِلْحَمْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَلَا تَمَلُّكُ الْوَلِيِّ لَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الْعَارِيَّةُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا وَلَا مِلْكَ أَيْضًا بَلْ إبَاحَةٌ. قَوْلُهُ: (وَالضِّيَافَةُ) فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِلْكٌ لَكِنْ لَا بِالتَّمْلِيكِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِزَيْدٍ طَعَامًا فَأَكَلَ ضَيْفًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ فِي فَمِهِ، فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ إلَّا طَعَامَ نَفْسِهِ أج. وَقَوْلُهُ " بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ " لَكِنَّهُ يَكُونُ مُرَاعًى وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِازْدِرَادٍ فَلَوْ لَفَظَهُ بَطَلَ مِلْكُهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْوَقْفُ) فَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: الْأَوْجَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ بَلْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " فِي حَيَاةٍ " الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبُولِ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَلَكَ لِاحْتِيَاجٍ) أَيْ احْتِيَاجِ الْآخِذِ. قَوْلُهُ: (فَصَدَقَةٌ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهَا هِبَةٌ فَكُلٌّ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ، وَكُلُّهَا مَسْنُونَةٌ وَأَفْضَلُهَا الصَّدَقَةُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا عَكْسَ " أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الْحَلِفِ، فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ وَلَا بِهَدِيَّةٍ أَيْضًا أَوْ حَلَفَ لَا يُهْدِي لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ وَلَا بِصَدَقَةٍ أَيْضًا أَوْ لَا يَهَبُ حَنِثَ بِهِمَا وَعَتَقَ عَبْدُهُ وَإِبْرَاءُ مَدِينِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ اهـ ق ل. وَتُعْرَفُ بِنَاءً عَلَى إطْلَاقِهَا عَلَى مَا يُقَابِلُ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الشَّيْءِ لَا لِطَلَبِ الثَّوَابِ وَلَا لِلنَّقْلِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَرْكَانُ لِلْهِبَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ.

قَوْلُهُ: (إكْرَامًا لَهُ) خَرَجَ بِذَلِكَ الْهَدِيَّةُ لِلظُّلْمَةِ وَرِشْوَةُ الْقَاضِي وَمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ السُّبْكِيّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (فَهَدِيَّةٌ) أَيْضًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ مَعَ صِيغَةٍ كَانَ هِبَةً وَصَدَقَةً، وَإِنْ مَلَكَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ مَعَ صِيغَةٍ كَانَ هِبَةً وَهَدِيَّةً، وَإِنْ مَلَكَ لَا لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَلَا الْإِكْرَامِ بِصِيغَةٍ كَانَ هِبَةً فَقَطْ، وَإِنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ كَانَ صَدَقَةً فَقَطْ، وَإِنْ مَلَكَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ مِنْ غَيْرِ صِيغَةٍ كَانَ هَدِيَّةً فَقَطْ فَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْكِتَابُ هَدِيَّةٌ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ إلَّا إنْ شَرَطَ كِتَابَةَ الْجَوَابِ عَلَى ظَهْرِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: سِتُّ كَلِمَاتٍ جَوْهَرِيَّةٍ لَا يَحْوِيهَا إلَّا الْعُقُولُ الزَّكِيَّةُ: أَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْهَدِيَّةُ وَأَصْلُ الْبُغْضَةِ الْأَسِيَّةُ وَأَصْلُ الْقُرْبِ الْأَمَانَةُ وَأَصْلُ الْبَعْدِ الْخِيَانَةُ وَأَصْلُ زَوَالِ النِّعْمَةِ الْبَطَرُ وَأَصْلُ الْعِفَّةِ غَضُّ الْبَصَرِ.

قَوْلُهُ: (وَعَرَّفَهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ الْمُصَنِّفُ، نُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا لَا تَعْرِيفٌ، وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسْمٌ لِأَنَّهُ يُمَيِّزُهَا فِي الْجُمْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ امْتِنَاعَ هِبَةِ الِاخْتِصَاصِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ، أَمَّا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ فَجَائِزٌ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ " بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ إلَخْ " أَيْ فَإِذَا قَالَ: وَهَبْتُك هَذَا الْخَمْرَ مَثَلًا فَإِنْ أَرَادَ مَلَّكْتُك لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَرَادَ نَقَلْت يَدَيْ عَنْهُ صَحَّ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ) إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ هِبَةُ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَالْبَيْعُ كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَشْيَاءِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ الْهِبَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى صِيغَةٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي فِيهِمَا بَعْثٌ وَقَبْضٌ.

قَوْلُهُ: (مِنْ هِبَتِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>