للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ مِنْهَا: الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ أَوْ أَعْتَقَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ.

وَمِنْهَا: هِبَةُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْأُجْرَةِ، وَفِي هِبَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ أَمَانَةٌ، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.

وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَضَالٍّ وَآبِقٍ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ. وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ هَذَا مَسَائِلَ مِنْهَا: حَبَّتَا الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ كَشَعِيرٍ فَإِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّ هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ. وَمِنْهَا: حَقُّ التَّحْجِيرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَمِنْهَا صُوفُ الشَّاةِ الْمَجْعُولَةِ أُضْحِيَّةً وَلَبَنُهَا، وَمِنْهَا: الثِّمَارُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَجُوزُ هِبَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.

وَشَرَطَ فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ وَلِيٍّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ مِنْ فِعْلِهَا الَّذِي هُوَ جَازَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لِمُشَاكَلَةٍ) أَيْ مُنَاسَبَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُعْسِرٌ) رَاجِعٌ لِكُلِّ مِمَّا قَبْلَهُ، أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَذَ وَلَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.

قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) وَهِيَ وَفَاءُ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (هِبَةُ الْمَنَافِعِ) الْأَوْلَى حَذْفُ " هِبَةُ " بِأَنْ يَقُولَ: وَمِنْهَا الْمَنَافِعُ لِيُنَاسِبَ الْخِلَافَ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ أَيْ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ إلَخْ، وَالثَّانِي: تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ) الْمُنَاسِبُ أَنَّ إبَاحَتَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّلَازُمَ بَيْنَ عَارِيَّةِ الْمَحَلِّ وَإِبَاحَةِ الْمَحَلِّ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِالْعَارِيَّةِ لِلْعَيْنِ عَلَى مَنَافِعِهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً، أَيْ وَشَأْنُ الْعَارِيَّةِ أَنَّ مَنَافِعَهَا لَا يَمْلِكُهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ فَرَضَ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تَمْلِيكٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ) أُطْلِقَ عَلَيْهِ هِبَةً بِالنَّظَرِ لِلصُّورَةِ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَهِيَ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا أُبِيحَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (عَارِيَّةٌ) فَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ الْمُتَّهَبُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) وَعَلَيْهِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ، قَالَ م ر: وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ اهـ فَلَوْ بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتَّهَبِ فِيمَا بَقِيَ.

قَوْلُهُ: (حَقُّ التَّحْجِيرِ) أَيْ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بِتَمَامِ الْإِحْيَاءِ؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ الْهِبَةِ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ.

قَوْلُهُ: (صُوفُ الشَّاةِ إلَخْ) أَيْ فَتَصِحُّ هِبَتُهُمَا لَا بَيْعُهُمَا.

قَوْلُهُ: (يَجُوزُ هِبَتُهَا) وَهَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ أَوْ الْإِبْقَاءُ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي، وَتَكُونُ هِبَتُهَا رِضًا بِإِبْقَائِهَا إلَيْهِ أَيْ إلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ اهـ د م.

قَوْلُهُ: (فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ حَقَّ التَّحْجِيرِ الْمُتَقَدِّمَ وَصُوفَ الشَّاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ هِبَتُهُمَا مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَمْلُوكٌ مِلْكًا مُرَاعًى، أَيْ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّوفَ جُبَّةً وَفُرُشًا وَغَيْرَهُمَا، وَحَقُّ التَّحَجُّرِ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَصَحَّ كَلَامُ الشَّارِحِ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ: وَأَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ، لِيَصِحَّ إخْرَاجُ الْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَالْمُكَاتَبِ مَعَ أَنَّهُمَا مُطْلَقَا التَّصَرُّفِ أَيْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِمَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ الْمِلْكِ) أَيْ التَّمَلُّكِ، وَهَذَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَّهَبِ الرُّشْدُ بَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ قَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ وَلِيِّ الطِّفْلِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: فَرْعٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا م ر. عَنْ شَخْصٍ بَالِغٍ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدٍ مُمَيِّزٍ وَوَقَعَتْ الصَّدَقَةُ فِي يَدِهِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِهَا فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>