لِمَا يُوهَبُ لَهُ مِنْ مُكَلَّفٍ وَغَيْرِهِ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ وَلَا لِبَهِيمَةٍ وَلَا لِرَقِيقٍ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
احْتَشَّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ صَحِيحٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِ وَلِيِّهِ اهـ.
وَعَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ فَهَلْ يَحْرُمُ الدَّفْعُ لَهُ كَمَا يَحْرُمُ تَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مِنْهُ أَمْ لَا لِانْتِقَاءِ الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ. وَيُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَتَقْدِيمِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ، فَلِلْمُبِيحِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَا دَامَ بَاقِيًا هَذَا، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ حَيْثُ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ فِي عَدَمِ رِضَا الْوَلِيِّ بِالدَّفْعِ لَهُ سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَلِكَ يُعَوِّدُهُمْ عَلَى دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَالرَّذَالَةِ فَيَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لَهُمْ لَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ بَلْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الظَّاهِرَةِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ) يَشْمَلُ ذَلِكَ الْهِبَةَ لِلْعَبْدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ إذَا قَصَدَ الْوَاهِبُ سَيِّدَهُ وَأَطْلَقَ، فَإِنَّ الْقَبُولَ مِنْ السَّيِّدِ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ.
قَوْلُهُ: (يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ الْوَلِيَّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ إلَّا إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غِرَاسِهِ: أَغْرِسهُ لِطِفْلِي أَوْ جَعَلْته لَهُ أَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَيَّنَهُمَا بِهِ أَوْ جَهَّزَ بِنْتَه بِأَمْتِعَةٍ، لَمْ يَحْصُلْ الْمِلْكُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَوْ ادَّعَتْ بِنْتُهُ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهُ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ ابْنَتَهُ وَجَهَازَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ: هَذَا جَهَازُ بِنْتِي فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَهُوَ إعَارَةٌ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ سم.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ) وَفَارَقَتْ مِلْكَهُ لِلْإِرْثِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَهْرِيٌّ، وَفَارَقَتْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِرَقِيقٍ نَفْسِهِ) بِتَنْوِينِ رَقِيقٍ وَإِبْدَالِ نَفْسِهِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِرَقِيقِ الْوَاهِبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَمْ السَّيِّدَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَإِلَّا فَالْهِبَةُ لَهُ وَلَوْ مِنْ سَيِّدِهِ صَحِيحَةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَفْسَهُ تَوْكِيدًا لِأَنَّ رَقِيقَ نَكِرَةٌ وَالتَّوْكِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَعْرِفَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَمَّا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَجُوزُ تَوْكِيدُ النَّكِرَةِ إنْ أَفَادَ وَعَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ يَفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ.
وَفِي نُسْخَةٍ " لِنَفْسِهِ " وَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْهِبَةُ لِلْمُكَاتَبِ فَصَحِيحَةٌ وَيَمْلِكُهَا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَلِمَنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَتِهِ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَإِنْ أَطْلَقَ الْوَاهِبُ أَوْ قَصَدَ السَّيِّدُ صَحَّ وَكَانَ الْقَبُولُ مِنْ الْمُبَعَّضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً، فَمَا خَصَّ الْبَعْضَ الْحُرَّ تَصِحُّ فِيهِ وَمَا قَابَلَ الْبَعْضَ الرَّقِيقَ يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَصْدِ السَّيِّدِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فَيَصِحُّ أَوْ قَصَدَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ فَلَا تَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ مِنْ قَوْلِهِ " وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْوَهْبِ مِنْ صِيغَةٍ إلَخْ " لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى الْأَرْكَانِ مُنْضَمًّا بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ وَالصِّيغَةُ إيجَابٌ: كَوَهَبْتُكَ وَمَلَّكْتُك وَمَنَحْتُك وَأَكْرَمْتُك وَعَظَّمْتُك وَنَحَلْتُك وَكَذَا أَطْعَمْتُك وَلَوْ فِي غَيْرِ طَعَامٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَبُولٌ: كَقَبِلْتُ وَرَضِيت وَاتَّهَبْت لَفْظًا فِي حَقِّ النَّاطِقِ وَإِشَارَةً مِنْ الْأَخْرَسِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ كَالْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا انْعَقَدَتْ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ: " لَك هَذَا " كَذَا " وَكَسَوْتُك هَذَا " وَبِالْمُعَاطَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا، فَاشْتَرَطَ هُنَا فِي الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُطَابِقًا لِلْإِيجَابِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ هُنَا، وَمِنْهُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الْفَوْرِيَّةِ فِي الصِّيغَةِ فَشَرْطُ الصِّيغَةِ عُلِمَ مِنْ الْبَيْعِ، وَمِنْهُ الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ فَلَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا أَوْ شَيْئًا فَقَبِلَ بَعْضَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعٌ فِيهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْ الْأَعْمَى وَلَا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْهِبَةِ الْمُقَيَّدَةِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَأَمَّا الْهِبَةُ الْمُطْلَقَةُ فَفِيهَا نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِنْ الْأَعْمَى أَوْ عَلَيْهِ إلَّا إنْ وَكَّلَ بَصِيرًا فِي الْإِقْبَاضِ وَالْقَبْضِ، وَشَيْخُنَا قَالَ بِهَذَا وَاعْتَمَدَهُ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وِفَاقًا لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا خِلَافُهُ لِإِطْبَاقِ الْأُمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَهُ قِ ل وَنَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute