فَائِدَةٌ: الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ كَمَا اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تُذَكَّرُ عَلَى ضَعْفٍ، وَيُقَالُ فِيهَا خَمْرَةٌ بِالتَّاءِ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ: قَدْ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ. الْأُولَى: أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعَتَّقِ بِالْخَلِّ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ فَيَصِيرُ بِمُخَالَطَتِهِ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَصِيرُ غَالِبًا. الثَّالِثَةُ: إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَيُمْلَأُ مِنْهَا الدَّنُّ وَيُطَيَّنُ رَأْسُهُ وَيَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا غُسِلَتْ وَإِمْسَاكُ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَجِبُ إرَاقَتُهَا، فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ.
فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَقَالَ: (وَ) الَّذِي (يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ) أَيْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الدِّمَاءِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إلْحَاقُهُ إلَخْ) اعْتَمَدَ م ر فِي شَرْحِهِ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ الْعَارِفُ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ تَخَلُّلٌ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْغَالِبِ أَيْ إنْ أَخْبَرَ بِهِ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِ مَا يَمْنَعُ التَّخَمُّرَ وَعَدَمَهُ، أَوْ عَدْلٌ وَاحِدٌ فِيمَا يَظْهَرُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ خَبِيرٌ أَوْ وُجِدَ وَشَكَّ، فَالْأَوْجَهُ إدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَالِبِ حِينَئِذٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ) أَيْ تَأْنِيثًا مَعْنَوِيًّا كَزَيْنَبِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مُؤَنَّثَةً إلْحَاقَ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ بِهَا بَلْ عَوْدَ الضَّمَائِرِ الْمُؤَنَّثَةِ عَلَيْهَا وَإِسْنَادَ الْأَفْعَالِ الْمُؤَنَّثَةِ إلَيْهَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. فَائِدَةٌ: الْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَمُذَكَّرَةٌ عَلَى ضَعْفٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخْمِيرِهَا الْعَقْلَ أَيْ تَغْطِيَتهَا إيَّاهُ، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُخَمَّرُ أَيْ تُغَطَّى لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ يُفْسِدُهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ فَاخْتَمَرَتْ أَيْ تَغَيَّرَتْ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (الْمُعَتَّقُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُطَيَّنُ) أَيْ يُسْدَرُ رَأْسُهُ بِطِينٍ.
قَوْلُهُ: (إذَا غُسِلَتْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ إذَا كَانَتْ جَافَّةً فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَمَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ إرَاقَتُهَا) أَيْ فَوْرًا شَرْحُ م ر.
[فَصْلٌ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]
ِ حِكْمَةُ تَأْخِيرِ هَذَا الْفَصْلِ عَمَّا قَبْلَهُ لِكَوْنِ مَا فِيهِ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ أَشْرَفُ اج، أَيْ: فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ أَخَّرَهُ عَنْ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَهُ عِنْدَ مُوجِبَاتِهِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَخَّرَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَلِتَعَلُّقِهِ بِالنِّسَاءِ فَكَانَ مُؤَخَّرَ الرُّتْبَةِ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ حَاضَ أُمُّنَا حَوَّاءُ لَمَّا كَسَرَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ وَأَدْمَتْهَا. قَالَ اللَّهُ: " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُدْمِيَنَّكِ كَمَا أَدْمَيْت هَذِهِ الشَّجَرَةَ " م ر. قِيلَ: وَكَانَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَاضَ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَمُرَادُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مِنْ ظَهَرَ مِنْهُنَّ. وَلَمَّا أَدْمَتْ الشَّجَرَةَ عَاقَبَ اللَّهُ بَنَاتِهَا بِالْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ، وَالنِّفَاسِ، وَفِرَاقِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَالتَّزَوُّجِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَبِأَنَّ الزَّوْجَ يَحْجُرُ عَلَيْهَا، وَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا، وَبِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ، وَعِصْمَتِهَا بِيَدِ غَيْرِهَا، وَالْعِدَّةِ، وَنَقْصِ مِيرَاثِهَا، وَعَدَمِ طَلَبِ صَلَاةِ جُمُعَةٍ، وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ، وَعَدَمِ حَجِّهَا إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ، وَعَدَمِ الْجِهَادِ، وَعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِتَوَلِّيَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّكَاحِ وَمُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْإِحْدَادَ عَلَى زَوْجِهَا. «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا دَاوُد أَنَا الرَّبُّ الْمَعْبُودُ أُعَامِلُ الذُّرِّيَّةَ بِمَا فَعَلَ الْجُدُودُ» وَقَوْلُهُ: وَعَدَمِ طَلَبِ صَلَاةِ جُمُعَةٍ إلَخْ. إنَّمَا كَانَ هَذَا عُقُوبَةً مَعَ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ حُرِمْنَ مِنْ ثَوَابِهِنَّ، وَأَتَى بِالْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ: كَيْفَ تُعَاقَبُ بَنَاتُهَا بِفِعْلِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْحَيْضِ إلَخْ) أَيْ فِي حَقَائِقِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْكُلَّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ فَتَكَلَّمَ الشَّارِحُ عَلَيْهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ) فِي تَقْدِيرِ الشَّارِحِ لَفْظَةَ الَّذِي تُغَيِّرُ إعْرَابَ الْمَتْنِ، وَهُوَ مَعِيبٌ لَكِنَّ الْخَطْبَ سَهْلٌ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْإِعْرَابَ وَهُوَ تَغْيِيرُ أَوَاخِرِ الْكَلِمِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَ نَوْعُ الْمُعْرَبَاتِ وَعَلَى مَا قَدَّرَهُ فَفَاعِلُ يَخْرُجُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُولِ. قَوْلُهُ: (أَيْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute