للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ الْخُطْبَةُ فَصِيحَةً جَزْلَةً لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً قَرِيبَةً لِلْفَهْمِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَمُتَوَسِّطَةً لِأَنَّ الطَّوِيلَ يُمِلُّ وَالْقَصِيرَ يُخِلُّ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ: «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» فَقَصْرُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ يَسْتَمِرَّ مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا، وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ، وَأَنْ يَشْغَلَ يُسْرَاهُ بِنَحْوِ سَيْفٍ وَيُمْنَاهُ بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَأَنْ يُقِيمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ مُؤَذِّنٌ وَيُبَادِرَ هُوَ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْوَلَاءِ الَّذِي مَرَّ وُجُوبُهُ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا لِلِاتِّبَاعِ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ.

(وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْطُ السَّابِعُ (أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَمَرَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ ظُهْرًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي خِطْبَتِهِ؛ وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ اهـ م ر.

قَوْلُهُ: (فَصِيحَةً) الْفَصِيحُ الْخَالِصُ مِنْ تَنَافُرِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالتَّعْقِيدِ وَالْغَرَابَةِ وَالْجَزْلُ الْحَسَنُ أَيْ حُلْوَةَ الْأَلْفَاظِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُبْتَذَلَ يَعْنِي الْكَثِيرَ الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ النَّاسِ لَا يُقَابِلُ الْفَصِيحَ؛ وَأَمَّا الرَّكِيكُ فَتُمْكِنُ مُقَابَلَتُهُ لِلْجَزْلِ لِأَنَّهُ لَا حُسْنَ فِيهِ. اهـ. م د. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ نَدْبِ الْبَلَاغَةِ فِيهَا حُسْنُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَضَمُّنِهَا آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ مُنَاسَبَةٍ لِمَا هُوَ فِيهِ قَوْلُهُ: (قَرِيبَةً لِلْفَهْمِ) أَيْ لِأَكْثَرِ الْحَاضِرِينَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَمُتَوَسِّطَةً) وَمَنْ عَبَّرَ بِقَصِيرَةٍ كَالْمِنْهَاجِ أَرَادَ التَّوَسُّطَ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَاقْصُرُوا) بِضَمِّ الصَّادِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ اهـ قَوْلُهُ: (مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ) أَيْ إلَى جِهَتِهِمْ، فَلَا يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِيمَنْ فِي مُقَابَلَتِهِ لَا مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ. وَقَوْلُهُ " وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى جِهَتِهِ، فَلَا يَطْلُبُ مِمَّنْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَيْهِ ح ل قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَشْغَلَ يُسْرَاهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ شَغَلَ الثُّلَاثِيِّ؛ قَالَ تَعَالَى {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} [الفتح: ١١] أَيْ لَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ مِنْ الْمَزِيدِ، إذْ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْغَلُ يُسْرَاهُ بِالسَّيْفِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْمُمَرِّقِ بِالْيَمِينِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُنَاوِلُهُ لَهُ بِالْيَمِينِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَحِكْمَةُ الِاعْتِمَادِ عَلَى السَّيْفِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ؛ وَلِهَذَا يُسَنُّ قَبْضُهُ بِالْيُسْرَى عَلَى عَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا تَنَاوُلًا حَتَّى يَكُونَ بِالْيَمِينِ بَلْ هُوَ اسْتِعْمَالٌ وَامْتِهَانٌ بِالِاتِّكَاءِ فَكَانَتْ الْيَسَارُ بِهِ أَلْيَقُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَمَامِ الْإِشَارَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ الدَّقُّ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ، لَكِنْ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِاسْتِحْبَابِ الدَّقِّ لِتَنْبِيهِ الْحَاضِرِينَ قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ سَيْفٍ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ) وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ، فَلَوْ طَالَ بِحَيْثُ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ بَطَلَتْ خُطْبَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَالَ بَعْضُ الْأَرْكَانِ بِمُنَاسِبٍ لَهُ. اهـ. تُحْفَةٌ.

قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) وَأَنْ يَقْرَأَهَا أَيْضًا سَوَاءٌ إمَامَ مَحْصُورِينَ وَغَيْرِهِمْ ق ل. وَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ، كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَحُكْمُ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الثَّانِي) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ أَنْ يَقُولَ: وَالْفَرْضُ الثَّانِي، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ رِعَايَةً لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ قَوْلُهُ: (أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعَدَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>