للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: إنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ، فَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهُمَا فَيَسْكُتُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ، وَسُنَّ كَوْنُهُمَا عَلَى مِنْبَرٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ فَعَلَى مُرْتَفِعٍ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَوْ نَحْوَهُ وَانْتَهَى إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيُؤَذِّنَ وَاحِدٌ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْجَمِيعِ، وَأَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» عَدَلَ عَنْ جَوَابِ سُؤَالِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْغَيْبِ، فَهُوَ مِنْ تَلَقِّي السَّائِلِ بِغَيْرِ مَا يَتَطَلَّبُ تَنْزِيلًا لِسُؤَالِهِ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْأَوْلَى، لَهُ كَقَوْلِهِ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٥] وَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: ١٨٩] أَوْ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ التَّعَلُّقُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَنْفَعُ فِيهَا. فَإِجَابَةُ السَّائِلِ بِقَوْلِهِ " حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى عَمَلِهِ الظَّاهِرِ بَلْ طَرَحَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ إلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَقَبُولِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ إلَخْ) وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا كَلَامُ الدَّاخِلِ إلَّا إنْ اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا وَاسْتَقَرَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْكَلَامِ غَالِبًا اهـ قَوْلُهُ: (وَسُنَّ كَوْنُهُمَا عَلَى مِنْبَرٍ) أَيْ وَلَوْ فِي مَكَّةَ، خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ حَيْثُ قَالَ: يَخْطُبُ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَإِنَّمَا خَطَبَ عَلَى بَابِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ لِتَعَذُّرِ مِنْبَرٍ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُحْدِثْ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ إلَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مُشْتَقٌّ مِنْ " النَّبْرِ " وَهُوَ الِارْتِفَاعُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ مُصَلَّى الْإِمَامِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا وُضِعَ، وَكَانَ يَخْطُبُ قَبْلَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَنْ يَسَارِهِ جِذْعُ نَخْلَةٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ. وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) وَيَجِبُ الرَّدُّ فِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا ع ش. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْخَلْوَةِ الْمَعْهُودَةِ، فَإِنْ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ الْجَامِعِ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ كَمَا فِي ق ل قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى جِهَتِهِمْ بِوَجْهِهِ، لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِأَدَبِ الْخِطَابِ، وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ لِقَبُولِ الْوَعْظِ وَتَأْثِيرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ خِلَافُهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (إذَا صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ م د وَالصَّوَابُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَصْدَرَهُ الصُّعُودُ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَعَدَ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ

وَفَعَلَ اللَّازِمُ مِثْلُ قَعَدَا ... لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ كَغَدَا

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهُ) أَيْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ م د قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ) أَيْ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ. وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ. وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ اهـ أج قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجْلِسُ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ اهـ م د قَوْلُهُ: (فَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا لَا جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كُرِهَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْأَذَانُ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ فَأَحْدَثَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقِيلَ مُعَاوِيَةُ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ. {تَنْبِيهٌ} : مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اتِّخَاذِ مُمَرِّقٍ فِي زَمَنِنَا يَخْرُجُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْآيَةَ وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَرَأَ الْحَدِيثَ فَبِدْعَةٌ حَسَنَةٌ إذْ لَمْ تُفْعَلْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ، بَلْ كَانَ يُمْهَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ جَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ إذْ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ تَرْغِيبٌ فِي الْإِتْيَانِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْمَطْلُوبِ فِيهِ إكْثَارُهَا. وَفِي قِرَاءَةِ الْخَبَرِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَقَبْلَ الْخُطْبَةِ تَيَقُّظٌ لِلْمُكَلَّفِ لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>