للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُمَا كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا، فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونَ أَرْبَعِينَ وَلَا حُضُورُهُمْ بِلَا سَمَاعٍ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَسُنَّ تَرْتِيبُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى، ثُمَّ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ الدُّعَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ وَسُنَّ لِمَنْ يَسْمَعُهُمَا سُكُوتٌ مَعَ إصْغَاءٍ لَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ

وَوَجَبَ رَدُّ السَّلَامِ، وَسُنَّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ قِرَاءَةِ الْخَطِيبِ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦] وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ إبَاحَةَ الرَّفْعِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ وَعُلِمَ مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ فِيهِمَا عَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مَتَى السَّاعَةُ؟ مَا أَعْدَدْت لَهَا؟ فَقَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَشَايِخُنَا. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُضِرَّ النَّوْمُ الثَّقِيلُ لَا مُجَرَّدُ النُّعَاسِ، إذْ هُوَ كَالتَّشَاغُلِ كَالْمُحَادَثَةِ اهـ. فَكَلَامُ الرَّحْمَانِيِّ جَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِسَمَاعِ الْأَرْكَانِ فِي آنٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ سَمِعَ الْأَرْكَانَ عِشْرُونَ مَثَلًا وَذَهَبُوا فَجَاءَ عِشْرُونَ فَأَعَادَ لَهُمْ الْأَرْكَانَ ثُمَّ حَضَرَ مَنْ سَمِعَ أَوَّلًا؟ هَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ نَظَرًا لِسَمَاعِ الْأَرْبَعِينَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ظُهُورُ الشِّعَارِ وَلَا يُوجَدُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ فِي آنٍ وَاحِدٍ اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَيَكْفِي كَوْنُهُ أَصَمَّ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَا يَقُولُ، فَيَكْفِي إسْمَاعُ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سِوَاهُ أج. قَوْلُهُ: (فَعُلِمَ) أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ. اهـ. حَلَبِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُمَا) مِثْلُ الْقَوْمِ الْخَطِيبُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ أَرْكَانِهِمَا، كَمَنْ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ اهـ شَرْحُ م ر أج.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهُ) كَالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَسُنَّ لِمَنْ يَسْمَعُهُمَا سُكُوتٌ مَعَ إصْغَاءٍ) قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ مِنْ الْمُسْتَمِعِينَ حَالَ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا إنَّهُ يَحْرُمُ، وَحَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ. نَعَمْ إنْ دَعَتْ لَهُ ضَرُورَةٌ وَجَبَ أَوْ سُنَّ كَالتَّعْلِيمِ لِوَاجِبٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مُحَرَّمٍ، وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا وَبَيْنَهُمَا وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ وَإِنْ كُرِهَ ابْتِدَاؤُهُ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَبَيْنَ الرَّدِّ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لِلْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجِبُ، وَالرَّدُّ تَأْمِينٌ وَتَرْكُهُ مُخِيفٌ لِلْمُسْلِمِ وَتَقَدَّمَ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ؛ وَلَوْ فَرْضًا مُضَيَّقًا أَيْ قَضَاؤُهُ فَوْرِيٌّ مِنْ صُعُودِ الْمِنْبَرِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ، وَلَوْ سَجَدَهَا الْخَطِيبُ. وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّ الْبَعِيدَ الْمُشْتَغِلَ بِتِلَاوَةٍ يَسْجُدُ لَهَا؛ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَةِ تَمْيِيزُ فُرُوضِهَا مِنْ سُنَنِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالتَّفْسِيرِ الْمَارِّ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ سم. قَوْلُهُ (ذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ) عِبَارَةَ م ر: كَمَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسَّرَيْنِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ رَدُّ السَّلَامِ) أَيْ إذَا سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ السَّلَامُ مَكْرُوهًا أج. أَيْ وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ عَلَى قَاضِي الْحَاجَةِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْهُ وَمَعَهُ يُعَدُّ سَفَهًا وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ فَلَا يُلَائِمُهُ إيجَابُ الرَّدِّ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُلَائِمُهُ، إذْ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَلَا إشْكَالَ اهـ شَرْحُ م ر أج.

قَوْلُهُ: (تَشْمِيتٌ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَرَفْعُ الصَّوْتِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُبَاحُ ثُمَّ الْمُرَادُ الرَّفْعُ الَّذِي لَيْسَ بِبَلِيغٍ، أَمَّا الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فَبِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ مِنْ سَنِّ الْإِنْصَاتِ فِيهِمَا) أَيْ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ لَهُمَا.

قَوْلُهُ: (عَدَمُ حُرْمَةِ الْكَلَامِ) نَعَمْ هُوَ مَكْرُوهٌ حَالَةَ الْخُطْبَةِ فَقَطْ بَعْدَ اتِّخَاذِهِ مَكَانًا وَاسْتِقْرَارِهِ فِيهِ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>