للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَذْكُرُوا مُقَدِّمَةً فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ. فَلْنَذْكُرْ نُبْذَةً مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا قِيلَ: عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ.

وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَوَّلُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا. ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقِيلَ: بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: قَبْلَهُ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. قِيلَ: فِي نِصْفِ شَعْبَانَ. وَقِيلَ: فِي رَجَبٍ مِنْ الْهِجْرَةِ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ وَفِيهَا فُرِضَتْ صَدَقَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُهْمَلَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لَغَزْوَةٌ بِالزَّايِ وَالْأُولَى مُنَاسِبَةٌ لَرَوْحَةٌ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ.

قَوْلُهُ: (نُبْذَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا أَيْ قِطْعَةٌ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَبَابُهُ أَيْ بَابُ فِعْله ضَرَبَ.

قَوْلُهُ: (بُعِثَ) أَيْ نُبِّئَ لَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِغَارِ حِرَاءٍ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ إلَى آخِرِ مَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَرَاجِعْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ الْإِرْسَالَ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ أَيْ بِالرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١] {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: ٢] إلَخْ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: بُعِثَ أَيْ أُرْسِلَ إذْ الْبَعْثُ الْإِرْسَالُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: ثُمَّ أُمِرَ إلَخْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ عَنْ الْإِرْسَالِ وَالْحَقُّ أَنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مُتَقَارِنَانِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُ: (وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ) أَيْ عِنْدَ تَمَامِهَا لَا فِي ابْتِدَائِهَا.

قَوْلُهُ: (قِيلَ عَلِيٌّ) وَكَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ بَالِغًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ) وَجُمِعَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَدِيجَةُ وَمِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ.

قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا فُرِضَ أَيُّ شَيْءٍ فُرِضَ هُوَ فَالْعَائِدُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَا وَمَا ذُكِرَ خَبَرٌ وَمِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بَيَانٌ لِمَا مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: ٢٠] إلَخْ أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَنَّهُ لَنْ تُحْصُوهُ أَيْ اللَّيْلَ لِتَقُومُوا فِيمَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقِيَامِ جَمِيعِهِ وَذَلِكَ يَشُقُّ عَلَيْكُمْ {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: ٢٠] رَجَعَ بِكُمْ إلَى التَّخْفِيفِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] بِأَنْ تُصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ {عَلِمَ أَنْ} [المزمل: ٢٠] أَيْ أَنَّهُ {سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: ٢٠] يُسَافِرُونَ {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِهِ لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] وَكُلٌّ مِنْ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا ذُكِرَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] كَمَا تَقَدَّمَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المزمل: ٢٠] الْمَفْرُوضَةَ اهـ جَلَالَيْنِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ أَيْ مَا فِي آخِرِهَا وَقَوْلُهُ: بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَيْ بِإِيجَابِهَا. قَوْلُهُ: (إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَوَاتِ أَوْ حَالٌ مِنْهَا وَفِيهِ مَعَ قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ تَنَافٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى عَكْسَ مَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَقُولَ: ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأُجِيبَ عَنْ التَّنَافِي بِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ أَوَّلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ أَيْ النَّبِيِّ وَبَيْنَهُ أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ عَلَّقَ بِالْإِسْرَاءِ فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ الشَّارِحُ أَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ قَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْرِيرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ.

قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب حَوَّلَتْ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُمِرَ أَوَّلًا بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ بِاسْتِقْبَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>