للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفِطْرِ وَفِيهَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ ثُمَّ عِيدَ الْأَضْحَى، ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ «وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا»

وَكَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْجِهَادِ) حِينَئِذٍ (سَبْعُ خِصَالٍ) : الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا} [التوبة: ١٢٣] الْآيَةَ فَخُوطِبَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثَةُ (الْعَقْلُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: ٩١] الْآيَةَ قِيلَ: هُمْ الصِّبْيَانُ لِضَعْفِ أَبْدَانِهِمْ وَقِيلَ: الْمَجَانِينُ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَجَازَهُ فِي الْخَنْدَقِ» . (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: ١١] وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ وَلَا نَفْسَ يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْخِطَابُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وَلَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْمُسْتَحَقِّ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلْهَلَاكِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (الذُّكُورَةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى امْرَأَةٍ لِضَعْفِهَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصَرِفُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ فِي الْجِهَادِ: لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . (وَ) السَّادِسَةُ (الصِّحَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى مَرِيضٍ يَتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْكَعْبَةِ ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكَعْبَةَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَمَنَّى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] الْآيَةَ فَأُمِرَ بِتَوَجُّهِهِ لِلْكَعْبَةِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ.

قَوْلُهُ: (وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا) وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ أَيْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّقَاضِي وَالصُّلْحُ لَا الْقَضَاءُ الْعُرْفِيُّ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ وَعُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْعُمْرَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِ حَجِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَقِيلَ: كَانَ مُفْرِدًا بِأَنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ خُصُوصِيَّةً لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْهِجْرَةِ) أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَ مُمْتَنِعًا لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَوَّلًا هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إذَا ابْتَدَأَهُمْ الْكُفَّارُ بِهِ ثُمَّ أَبَاحَ الِابْتِدَاءَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ أُمِرَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ مِنْ وَاحِدٍ إلَى تِسْعٍ وَالْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى تِسْعٍ. اهـ. مُخْتَارٌ قَوْلُهُ: (مَنْ فِيهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النِّكَايَةُ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَلَا.

قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ. قَوْلُهُ: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٢٠] التِّلَاوَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ " بَرَاءَةٌ {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: ٢٠] وَالثَّانِيَةِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٤١] وَاَلَّتِي فِي الصَّفِّ {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: ١١] وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاحِدَةً مِمَّا ذَكَرَ وَفِي نُسْخَةٍ وَتُجَاهِدُونَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: «لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» بِفَتْحِ لَامِ لَكُنَّ وَضَمِّ الْكَافِ وَبِنُونِ النِّسْوَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَحَجٌّ أَيْ هُوَ حَجٌّ. . . إلَخْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا قُرِئَ لَكُنَّ بِالتَّشْدِيدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ جِهَادًا مِنْ حَيْثُ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ.

قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسَةُ الصِّحَّةُ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مُعْظَمُ أَصَابِعهَا بِخِلَافِ فَاقِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>