للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا.

وَهُوَ قِسْمَانِ صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فِي الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ، كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى بَعْضِهَا، أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ صُلْحٌ مُحَرِّمٌ لِلْحَلَالِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

بَابُ الْهُدْنَةِ وَهِيَ الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا وَعَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا.

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ وَالْبُغَاةِ، وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْبُغَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ) وَعَقَدُوا لَهُ بَابَ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ.

قَوْلُهُ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى الصُّلْحِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ هُوَ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ أُعِيدَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ عَيْنًا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الصُّلْحُ أَيْ الْوَاقِعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ خَيْرٌ ح ل.

وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ وَبِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَيَدُلُّ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ إعَادَتُهُ بِلَفْظِ الظَّاهِرِ لَا بِالضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ لِلْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَإِلَّا فَمِثْلُهُمْ الْكُفَّارُ. قَوْلُهُ: (إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ ق ل، أَيْ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَيْسَ صُلْحًا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الصُّلْحِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا وَفِيهِ خِلَافٌ م د. قَوْلُهُ: (أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ م ر، وَسَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) كَأَنْ صَالَحَ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَصَالِحِ عَلَيْهِ، شَرْحُ م ر. فَإِنْ قِيلَ: الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَنَا الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، عَنَانِيٌّ؛ أَيْ فَلَوْ صَحَّحْنَاهُ لَكَانَ هُوَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ فِي الظَّاهِرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَفْظُهُ إلَخْ) وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:

فِي الصُّلْحِ لِلْمَأْخُوذِ بَاءٌ وَعَلَى ... وَالتَّرْكُ مِنْ وَعَنْ كَثِيرًا ذَا جَعْلَا

وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ:

بِالْبَاءِ أَوْ عَلَى يُعَدَّى الصُّلْحُ ... لِمَا أَخَذْته فَهَذَا نُصْحُ

وَمِنْ وَعَنْ أَيْضًا لِمَا قَدْ تُرِكَا ... فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ ذَا قَدْ سُلِكَا

قَوْلُهُ: (عَلَى إقْرَارٍ) وَمِثْلُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ فَهَلَّا يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، أُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ؛. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى إنْكَارٍ) أَيْ أَوْ سُكُوتٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ قَالَ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ لَكَانَ أَوْلَى ق ل.

قَوْلُهُ: (مَعَ الْإِقْرَارِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ مَعَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، ق ل.

قَوْلُهُ: (الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً فِي الذِّمَّةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إنْكَارٍ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى صِحَّتِهِ، أج.

قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَهُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِلسُّكُوتِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا) أَيْ مِنْهَا عَلَيْهَا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ م ر، كَأَنْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا تَصْوِيرُ الْمِنْهَاجِ الْآتِي؛ أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَى نِصْفِهَا، أَوْ قَالَ: صَالَحْتُك مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى ثَوْبٍ مَثَلًا؛ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ عَلَى إنْكَارٍ. اهـ. شَيْخُنَا. وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ صُوَرِ الصُّلْحِ الْبَاطِلَةِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ، فَذَكَرَ الشَّارِحُ دَلِيلَ الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ فِي الصُّلْحِ إلَخْ، وَأَمَّا الِاثْنَانِ الْأَوَّلَانِ فَسَيَأْتِي يَقُولُ: وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) سَوَاءٌ كَانَ الصُّلْحُ مِنْهَا أَوْ مِنْ بَعْضِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِتَحْرِيمِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بَعْضِهِ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>