رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَا إسْنَادَهُ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ بِهِ وَصِيغَةٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) عِنْدَ الْأَدَاءِ (إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسَةُ) بَلْ عَشَرَةُ (خِصَالٍ) كَمَا سَتَعْرِفُهَا الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَلَا عَلَى الْكَافِرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَبُولِهِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِأَحْمَدَ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَيْسَ مِنَّا وَلِأَنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى خَلْقِهِ. (وَ) الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَا مَجْنُونٍ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) وَلَوْ بِالدَّارِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَقِيقٍ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا. (وَ) الْخَامِسَةُ (الْعَدَالَةُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَيْرُهُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ دَعْ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ مِمَّا الْغَرَضُ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْفَرْضِ إذْ لَا مَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِيهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ الشَّاهِدُ وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْحُقُوقُ ضَرْبَانِ: الْمَشْهُودُ بِهِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ. الْمَشْهُودُ لَهُ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةَ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْأَدَاءِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ مَفْقُودَةً عِنْدَ التَّحَمُّلِ، إلَّا فِي النِّكَاحِ كَمَا يَأْتِي، وَفِيمَا لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي بَيْعِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ وَهَذَا مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ عَشْرَةُ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
بُلُوغٌ وَعَقْلٌ ثُمَّ الْإِسْلَامُ نُطْقُهُ ... وَعَدْلٌ كَذَا حُرِّيَّةٌ وَمُرُوءَهْ
وَذُو يَقَظَةٍ لَا حَجْرَ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ ... فَهَذِي لِشِهَادٍ شَرَائِطُ عَشْرَهْ
قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ) : وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ كَانَتْ جَائِزَةً ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَرِثُ مِلَّةٌ مِلَّةً» . وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ تَجُوزُ عَلَى سِوَاهُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (فِي الْوَصِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَ كَافِرٌ. قَالَ ز ي: وَلَوْ جَهِلَ الْحَاكِمُ إسْلَامَ الشَّاهِدِ بَحَثَ عَنْهُ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ جَهْلِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: إنَّ فُلَانًا أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا حَرِّرْ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ: أَيْ فِي السَّفَرِ لَا فِي غَيْرِهِ لِلْآيَةِ أَيْ قَوْلُهُ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: ١٠٦] فَلِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يُوصِيَ وَيُشْهِدَ وَلَوْ كَافِرَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ مَذْهَبُهُ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ فَأَوْصَى بِعَيْنٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَوْصَى بِرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَأَشْهَدَ لِذَلِكَ كَافِرَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالدَّارِ) بِأَنْ كَانَ لَقِيطًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا) الْأَوْلَى. وَهِيَ مَسْلُوبَةٌ مِنْهُ.
فَرْعٌ: مَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ أُسْبُوعًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُدَّةً طَوِيلَةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصَلَّى مَكَانَهَا الْفَوَائِتَ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ: عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ. وَاعْتُرِضَ: بِأَنَّ تَرْكَ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مُفَسِّقًا فَكَيْفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ يَعْلَمُ الْفِسْقَ مِنْ نَفْسِهِ وَصُدِّقَ فِي شَهَادَتِهِ