للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مُشِيرًا إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَّا بِوَلِيٍّ) أَوْ مَأْذُونِهِ أَوْ الْقَائِمِ مُقَامَهُ كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ (وَ) حُضُورِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ الشَّاهِدَيْنِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ. وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ.

(وَيَفْتَقِرُ الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ) الْمُعْتَبَرُونَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ (إلَى سِتَّةِ شَرَائِطَ) بَلْ إلَى أَكْثَرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْغَرَضَ مِنْ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ وَتَوَابِعُهُ وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالزَّوْجَيْنِ فَهُمَا الرُّكْنَانِ.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَانِ) عَدَّهُمَا رُكْنًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِشَرْطٍ دُونَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْآخَرِ؛ وَجَعَلَهُمَا ابْنُ حَجَرٍ رُكْنًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِمَا فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر. وَجَعْلُ الشَّاهِدَيْنِ شَرْطًا كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا رُكْنًا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِوَلِيٍّ) لَمْ يَقُلْ عَدْلٌ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا وَلَا فَاسِقًا، كَمَا إذَا تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لِعَدَمِ الْمَلَكَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَالشَّرْطُ فِيهِ عَدَمُ الْفِسْقِ. قَوْلُهُ: (كَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ) فِيهِ أَنَّهُ عِنْدَ فَقْدِهِ يَكُونُ وَلِيًّا لَا نَائِبًا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ فَقْدِهِ أَيْ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَيْ فِي التَّزْوِيجِ لَا النِّيَابَةِ وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَضْلِهِ) أَيْ عَضْلًا لَا يَفْسُقُ بِهِ كَأَنْ عَضَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ لِلْأَبْعَدِ لِفِسْقِ الْعَاضِلِ حِينَئِذٍ.

قَوْلُهُ: (وَحُضُورِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ) أَيْ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِإِحْضَارِهِمَا. وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ، وَلَمْ يُثَنِّ الصِّفَةَ؛ لِأَنَّ عَدْلًا مَصْدَرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ وَلَا بُدَّ فِي الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ الْإِنْسِ كَمَا قَالَهُ م ر لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ ثَلَاثَةٌ: الْكُفَّارُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَّا. وَذَهَبَ ابْنُ حَجَرٍ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَكُونَا مِنْ الْجِنِّ وَيَكُونَانِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلَيْنِ مِنَّا، وَرَدَّ بِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُمْكِنُ أَنَّهُمَا يَحْمِلَانِ اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، بِخِلَافِ الْجِنِّيِّ إذَا شَهِدَ وَفَرَّ فَإِنَّ عَوْدَهُ غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) نَعَمْ لَوْ تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي قُطْرٍ قُدِّمَ أَقَلُّهُمْ فِسْقًا، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَجّ؛ كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِيِّ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مُشْتَمِلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَشَاحُّوا) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ الْمَعْلُومُونَ مِنْ الْمَقَامِ بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا أُزَوِّجُ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَضْلِ، بِهِ دَلِيلُ قَوْلِهِ: فَالسُّلْطَانُ إلَخْ. وَأَمَّا إنْ تَشَاحُّوا بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَا الَّذِي أُزَوِّجُ وَاتَّحَدَ خَاطِبٌ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي إحْضَارِ) الْأَوْلَى فِي حُضُورِ؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ.

قَوْلُهُ: (وَصِيَانَةِ الْأَنْكِحَةِ) عَطْفٌ لَازِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفٌ مُسَبَّبٌ عَلَى سَبَبٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَلْ إلَى أَكْثَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَكُونَ مُخْتَلَّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَيْضًا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالضَّبْطُ وَمَعْرِفَةُ لِسَانِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ لِلْوِلَايَةِ وَأَشْيَاءٌ أُخَرُ.

وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ، وَتُحْمَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى صُورَةِ الْعَقْدِ حَتَّى إذَا دُعُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ بِنْتُ فُلَانٍ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى جَرَيَانِ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ شَوْبَرِيٌّ، وَهُوَ تَابِعٌ لِابْنِ حَجَرٍ. وَقَالَ م ر: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الشُّهُودِ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا أَوْ يَشْهَدَانِ عَلَى صُورَتِهَا بِرُؤْيَةِ وَجْهِهَا بِأَنْ تَكْشِفَ لَهُمْ النِّقَابَ، وَقَالَ عَمِيرَةُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُنْتَقِبَةِ أَنْ يَرَاهَا الشَّاهِدَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشَّاهِدَانِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ الشَّاهِدِ الْعَقْدَ كَاسْتِمَاعِ الْحَاكِمِ الشَّهَادَةَ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ إذْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَالْقُضَاةُ الْآنَ لَا يَعْلَمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>