وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا، وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إرْسَالَ الدَّوَابِّ أَوْ حِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ. انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِلْعَادَةِ وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا.
تَتِمَّةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهَا وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّحْلُ. وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ، وَلَوْ أَتْلَفَتْ الْهِرَّةُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا أَوْ صَاحِبُهَا الَّذِي يَأْوِيهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُولَعٍ بِالتَّعَدِّي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَخَرَجَتْ وَحْدَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَمَحِلُّ ضَمَانِهِ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ حَضَرَ وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهُ، أَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ فَتَرَكَهُ مَفْتُوحًا أَوْ وَضَعَهُ فِي طَرِيقٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مَا لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُ الْمَالِ وَمَحِلُّ التَّفْصِيلِ فِي إرْسَالِ الدَّابَّةِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي إرْسَالِهَا إلَى الصَّحْرَاءِ، أَمَّا إرْسَالُهَا فِي الْبَلَدِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْعِبْرَةُ بِالْعَادَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ مَحِلٍّ بِإِرْسَالِ الدَّوَابِّ لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَا ضَمَانَ أَوْ بِحِفْظِهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ ضَمِنَ لَيْلًا لَا نَهَارًا. وَلَوْ انْعَكَسَ الْحُكْمُ انْعَكَسَ الضَّمَانُ أَيْضًا وَقَدْ سُئِلْت عَنْ حَادِثَةٍ تَقَعُ فِي الشَّامِّ هِيَ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَتْهُمْ بِإِرْسَالِ الدَّوَابِّ فَمَرَّتْ دَابَّةٌ فِي طَرِيقٍ فَصَادَفَتْ إنْسَانًا قَاعِدًا فِي الطَّرِيقِ فَقَامَ فَجَفَلَتْ مِنْهُ وَتَلِفَتْ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّابَّةَ اهـ كَاتِبُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَامُ) أَطْلَقَ عَلَى الْحَمَامِ دَابَّةً نَظَرًا إلَى أَصْلِ اللُّغَةِ وَخَصَّ الْعُرْفُ الدَّابَّةَ بِذَاتِ الْأَرْبَعِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَأَخْرَجَ الطَّيْرَ مِنْ الدَّوَابِّ وَرُدَّ بِالسَّمَاعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: ٤٥] قَالُوا: أَيْ خَلَقَ كُلَّ حَيَوَانٍ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ.
وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ بِالدَّابَّةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَعُرْفٌ طَارِئٌ وَتُطْلَقُ الدَّابَّةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ الدَّوَابُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ مَعَهَا صَاحِبُهَا أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (بِعَدَمِ الضَّمَانِ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَسَقَطَ تَضْعِيفٌ لَهُ وَعِبَارَةُ م ر. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَلِتَقْصِيرِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَمْ يَضَعْهُ فِي بَيْتٍ مُسْقَفٍ، أَوْ لَمْ يَضَعْ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ النَّحْلِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْجَمَلِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَتْلَفَتْ الْهِرَّةُ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا إلَّا وَقْتَ صِيَالِهَا وَلَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهَا يَسْهُلُ م ر.
قَوْلُهُ: (إنْ عُهِدَ) أَيْ وَلَوْ مَرَّةً ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ صَاحِبُهَا الَّذِي يَأْوِيهَا) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا كَأَنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا لَهَا أَوْ مُسْتَعِيرًا نَعَمْ إنْ انْفَلَتَتْ قَهْرًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَمَا مَرَّ. اهـ. م ر.
فَرْعٌ: أَفْتَى ابْنُ عُجَيْلٍ فِي دَابَّةٍ نَطَحَتْ أُخْرَى بِالضَّمَانِ إنْ كَانَ النَّطْحُ طَبْعَهَا وَعَرَفَهُ صَاحِبُهَا أَيْ قَدْ أَرْسَلَهَا أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهَا وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَا بِيَدِهِ وَإِلَّا ضَمِنَ مُطْلَقًا. اهـ. س ل وَلَوْ نَفَّرَ شَخْصُ دَابَّةً مُسَيَّبَةً عَنْ زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ ضَمِنَهَا أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَيَنْبَغِي إذَا نَفَّرَهَا أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي إبْعَادِهَا بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ مِنْهُ إلَى زَرْعِهِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا فِي زَرْعِهِ وَغَرَّمَ صَاحِبَهَا مَا أَتْلَفَتْهُ اهـ. مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا ضَمِنَهَا إنْ ضَاعَتْ وَضَمِنَ مَا تُتْلِفُهُ مِنْ زَرْعِ غَيْرِ مَالِكِهَا لِتَعَدِّيهِ.