للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَرِيحًا، لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ بِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى، وَهُمْ مُسْلِمُونَ مُخَالِفُو إمَامٍ وَلَوْ جَائِرًا بِأَنْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَزَكَاةٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ: (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) وُجُوبًا كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا بُغَاةً لِهَذَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (تَشْمَلُهُ) أَيْ تَشْمَلُ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِمَامِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ.

قَوْلُهُ: (لِعُمُومِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْتَضِيهِ) أَيْ تَسْتَلْزِمُهُ وَتُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَوَجْهُ هَذَا التَّرْدِيدِ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَشْمَلُهُ بِجَعْلِ الْإِمَامِ طَائِفَةً، وَالْبَاغِينَ عَلَيْهِ طَائِفَةً.

وَعَلَى الثَّانِي لَا تَشْمَلُهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ طَائِفَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَيُقَاسُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ بِالْخُرُوجِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْقِتَالُ بِالْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَهُمْ) أَيْ شَرْعًا مُسْلِمُونَ وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَفِي سم نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْبُغَاةِ الْإِسْلَامَ فَالْمُرْتَدُّونَ إذَا نَصَبُوا الْقِتَالَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُيُودَ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ وَأَنْ يُخَالِفُوا الْإِمَامَ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ. وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ بَاطِلًا ظَنًّا وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُطَاعٌ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُطَاعَ فَلَا تَغْفُلْ. اهـ م د وَعِبَارَةُ ح ل فِي سِيرَتِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلًا بِلَعْنِ يَزِيدَ تَلْوِيحًا وَتَصْرِيحًا وَكَذَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَنَا قَوْلٌ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ الْأُسْتَاذُ الْبَكْرِيُّ.

وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ فِي حَقِّ يَزِيدَ مَا لَفْظُهُ زَادَهُ اللَّهُ خِزْيًا وَمَنَعَهُ وَفِي أَسْفَلِ سِجِّينَ وَضَعَهُ وَفِي شَرْحِ عَقَائِدِ السَّعْدِ يَجُوزُ لَعْنُ يَزِيدَ اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ لَعْنَ الشَّخْصِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ تَأَمَّلْهُ.

قَالَ ح ل قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَازَ الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ لَعْنَ يَزِيدَ وَصَنَّفَ فِي إبَاحَةِ لَعْنِهِ مُصَنَّفًا اهـ. وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِالشَّخْصِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنِّي لَا أَشُكُّ فِي عَدَمِ إسْلَامِهِ بَلْ وَلَا فِي عَدَمِ إيمَانِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ اهـ كَلَامُ السَّعْدِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَائِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْجَائِرِ إجْمَاعًا وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ.

وَسَيَأْتِي قَوْلُ الشَّارِحِ: وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. . . إلَخْ.

قَوْلُهُ: (بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ) سَوَاءً سَبَقَ مِنْهُمْ انْقِيَادٌ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَلَوْ فِي مُبَاحٍ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (كَزَكَاةٍ) هِيَ حَقُّ اللَّهِ وَمِثْلُهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْأَوْلَى ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب خرجوا أَوْ بِقَوْلِهِ: مُخَالِفُو. . . إلَخْ فَوُجُودُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحَقُّقِ الْبَغْيِ وَوُجُودِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْيَ يُوجَدُ بِدُونِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْقِتَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُقَاتَلُونَ فَلَوْ قَالَ: وَشَرَطَ فِي الْبَاغِي كَذَا وَكَذَا. كَانَ أَوْلَى وَلِذَا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: هُمْ مُسْلِمُونَ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ الْبَغْيِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ وَصْفَ ذَمٍّ وَلَا يَقْتَضِي الْفِسْقَ وَلَا الْعِصْيَانَ وَلَا يَزُولُ مَعَهُ وَصْفُ الْإِيمَانِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا زَوَالَ الْإِيمَانِ مَعَهُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَيْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ قَطْعِيِّ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي م ر.

قَوْلُهُ: (كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: ٩] قَالَ السُّبْكِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>