وَعَلَيْهَا عَوَّلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ. (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) : الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونُوا فِي مَنَعَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ، وَلَوْ بِحِصْنٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ رِجَالٍ وَهِيَ لَا تُحَصَّلُ إلَّا بِمُطَاعٍ أَيْ مَتْبُوعٍ يُحَصِّلُ بِهِ قُوَّةً لِشَوْكَتِهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ. إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا تُجْمَعُ كَلِمَتُهُمْ بِمُطَاعٍ فَالْمُطَاعُ شَرْطٌ لِحُصُولِ الشَّوْكَةِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ غَيْرُ الشَّوْكَةِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إمَامٌ مَنْصُوبٌ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَلَا إمَامَ لَهُمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ النَّظِيمِ مَا حَاصِلُهُ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَانِ عَظِيمَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُوبُ قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] . فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانِ وَقَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّينَ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَهَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى إنَّ الْمُقَاتِلِينَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُنْكِرُوهُ وَإِنَّمَا عَدَلُوا إلَى تَأْوِيلٍ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ يَعْنُونَ عَلِيًّا أَيْ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ. وَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ ازْدَادَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ يَقِينًا وَإِقْدَامًا عَلَى الْقِتَالِ وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ أَحْسَنَ سِيَاقٍ. الْحُكْمُ الثَّانِي فِي الْآيَةِ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ بَاقٍ مَعَ الْبَغْيِ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْخَوَارِجُ وَالْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ الْإِيمَانِ حِينَ الْبَغْيِ وَلَوْلَا ذَلِكَ أَيْ بَقَاءُ الْإِيمَانِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: ٩] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] إنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأُخُوَّةِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ بِأَنْ يَكُونَ وَصْفُ الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ لَكِنْ قَوْله تَعَالَى: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى ثُبُوتِ الْإِيمَانِ لَهُمْ فِي حَالِ بَغْيِهِمْ اهـ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَجِبُ قِتَالُ الْبُغَاةِ وَلَا يُكَفَّرُونَ بِالْبَغْيِ وَإِذَا رَجَعَ الْبَاغِي إلَى الطَّاعَةِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَتُرِكَ قِتَالُهُ. اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ.
قَوْلُهُ: (صِفِّينَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُهْمَلَةِ وَثَانِيهِ الْفَاءُ الْمُشَدَّدَةُ اسْمُ بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ وَكَذَا النَّهْرَوَانُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرَائِطِ الشُّرُوطُ.
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ النُّونِ) قَدْ تُسَكَّنُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ وَالشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ قُوَّةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ تَحَصُّنٍ بِحِصْنٍ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الشَّوْكَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُطَاعٍ وَأَمَّا أَصْلُ الشَّوْكَةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَاعٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَحْصُلُ أَيْ فَذِكْرُهَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ الَّذِي سَلَكَهُ الْمِنْهَاجُ.
قَوْلُهُ: (يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ) أَيْ تَصْدُرُ أَفْعَالُهُمْ عَنْ رَأْيِهِ.
قَوْلُهُ: (قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ) أَيْ أَهْلَ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَهَمَّ فِيهَا جَمَلُ عَائِشَةَ.
وَسَبَبُ خُرُوجِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَنِ الْإِفْكِ مَا رَأَيْنَا عَلَى نِسَائِك إلَّا خَيْرًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: النِّسَاءُ غَيْرُهَا كَثِيرٌ وَهَذَا سَبَبُ طُلُوعِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ وَكَانَ النَّاسُ إذَا دَعَاهُمْ لِلْخُرُوجِ مُعَاوِيَةُ يَمْتَنِعُونَ وَيَقُولُونَ: لَا نَخْرُجُ مَعَك إلَّا إذَا خَرَجَتْ عَائِشَةُ كَمَا فِي السِّيَرِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ تِلْكَ الْوَقْعَةِ سَيِّدُنَا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ وَمَاتَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعُقِرَ جَمَلُ عَائِشَةَ حَتَّى سَقَطَتْ مِنْ عَلَيْهِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ، وَلَمَّا سَقَطَتْ كَانَ أَخُوهَا مُحَمَّدٌ عِنْدَهَا فَحَمَلَ هَوْدَجَهَا مَعَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانُوا حَاضِرِينَ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ بَيْتًا سِتْرًا عَلَيْهَا ثُمَّ طَيَّبَ خَاطِرَهَا وَأَكْرَمَهَا وَاعْتَذَرَ لَهَا وَكَانَ أَخُوهَا مَعَ عَلِيٍّ فِي الْقِتَالِ وَالْوَاقِعَةُ كَانَتْ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَقْتَ مَوْتِ عُثْمَانَ فِي الشَّامِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ جَاءَ يُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَانَ اسْمُ