وَأَهْلَ صِفِّينَ قَبْلَ نَصْبِ إمَامِهِمْ. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ) أَيْ عَنْ طَاعَتِهِ بِانْفِرَادِهِمْ بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ جَمْعٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ لَهُمْ) فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) ، أَيْ مُحْتَمَلٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، يَسْتَنِدُونَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ وَتَأْوِيلِ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ دُعَاؤُهُ رَحْمَةٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَوْ تَأَوَّلُوا بِلَا شَوْكَةٍ وَأَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ كَبِيرَةٍ وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ فَلَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُفَسَّقُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ، تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْجَمَلِ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ يَوْمَ وَقْعَتِهِ عَسْكَرًا أَعْطَاهُ لَهَا يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ اشْتَرَاهُ لَهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ فِي خَامِسَ عَشَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِانْفِرَادِهِمْ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ. قَالَ م ر: وَلَا يُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُمْ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) تَبَرَّأَ مِنْهُ لِضَعْفِهِ. قَوْلُهُ: (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ تُسَوِّغُ لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحْتَمِلٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، أَيْ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَوْ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُحْتَمَلٌ صِدْقُهُ وَكَذِبُهُ فَلَا وَجْهَ لِاقْتِصَارِ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ) أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ مَا قَاتَلْت وَلَا مَالَأْت أَيْ وَلَا جَمَعْت لِلْقِتَالِ وَإِنَّمَا نَهَيْت. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْإِيمَانُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ لِانْقِطَاعِ شَرْعِهِ بِمَوْتِهِ كَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بَقَاءِ دِينِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْمَحْدُودِ الْإِسْلَامُ وَأَخْذُهُ جِنْسًا وَإِذَا لَمْ يَشْمَلْهُمْ الْجِنْسُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمْ بِفُصُولِ التَّعْرِيفِ. اهـ. عَمِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسُوا بُغَاةً) أَيْ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ وَلَا يُعْتَدُّ بِحَقٍّ اسْتَوْفُوهُ وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مُطْلَقًا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (عَلَى تَفْصِيلٍ. . . إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَرَتْ إلَيْهِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَصْلًا وَالتَّفْصِيلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرْتَدًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَنْهَجِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَأْتِي فِي الشَّرْحِ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ شَوْكَةٌ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَالْبَاغِي وَإِنْ كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ الشَّوْكَةِ فَلَيْسَ كَالْبَاغِي وَهَذَا غَيْرُ الَّذِي أَرَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: فِي ذِي الشَّوْكَةِ وَيَقُولُ: عَلَى تَفْصِيلٍ فِيمَا إذَا فُقِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَيْ الشَّوْكَةُ وَالتَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَقْتَ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرَهُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْخَوَارِجُ) وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ قَائِلُونَ: بِأَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبِطَ عَمَلُهُ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ وَأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ) أَيْ لَا يُصَلُّونَ وَرَاءَ الْأَئِمَّةِ. كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ أَيْ لَمْ يَحْضُرُوا مَعَ الْإِمَامِ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ مَعْصُومٍ