للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قُوتِلُوا، وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِيهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُيِّدَ بِمَا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَلَا خِلَافَ

وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ لِتَأْوِيلِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ كَالْخَطَّابِيَّةِ وَهُمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

اهـ.

وَقَالَ م ر وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمَّا أَقَرُّوا عَلَى الْمَعَاصِي كَفَرُوا بِزَعْمِهِمْ فَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ يُوجِبُ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيُقَاتَلُ تَارِكُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَاتِ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ وَإِنْ قُوتِلُوا مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ اهـ ز ي.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاتَلُونَ) أَيْ لَا يُقَاتَلُونَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ: عَدَمُ قِتَالِهِمْ لَنَا. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ فِي قَبْضَتِنَا. الثَّالِثُ عَدَمُ تَضَرُّرِنَا بِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَقَوْلُهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي فَلَا يُقَاتَلُونَ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُقَاتَلُوا فَعَدَمُ قِتَالِهِمْ مَشْرُوطٌ بِمَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ فِي قَبْضَتِنَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُفَسَّقُونَ) بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ ذَمِّهِمْ وَوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ كَكَوْنِهِمْ كِلَابَ أَهْلِ النَّارِ الْحُكْمُ بِفِسْقِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا وَأَثِمُوا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَّ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اقْتِضَاءُ أَكْثَرِ تَعَارِيفِ الْكَبِيرَةِ فِسْقَهُمْ لِوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ أَيْ مُبَالَاتِهِمْ بِالدِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ اهـ شَرْحُ م ر بِاخْتِصَارٍ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) فَإِنْ قَاتَلُوا فُسِّقُوا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَبِتَقْدِيرِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لَكِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ) أَيْ بِأَنْ أَظْهَرُوا بِدْعَتَهُمْ أَوْ دَعَوَا إلَيْهَا. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (تَعَرَّضْنَا لَهُمْ) وَلَوْ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قَالَ سم: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا لَيْسَ قَيْدًا لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا. . . إلَخْ بَلْ، وَهُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ. . . إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَتَّمْ. . . إلَخْ) لَوْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَنْ الْقَاتِلِ سَقَطَ الْقَتْلُ.

قَوْلُهُ: (فِي شَهْرِ السِّلَاحِ) أَيْ إظْهَارِهِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) فَفِي رِوَايَةٍ «إذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ الْجَزَاءَ لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَقَدْ سُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَوَارِجِ أَهُمْ كُفَّارٌ؟ فَقَالَ: " مِنْ الْكُفْرِ فَرُّوا فَقِيلَ أَمُنَافِقُونَ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا وَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا فَقِيلَ مَا هُمْ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا " فَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كُفَّارًا؛ لِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْخَوَارِجُ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَيَحْكُمُونَ بِحُبُوطِ عَمَلِ مُرْتَكِبِهَا وَتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَيَحْكُمُونَ بِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا دَارَ كُفْرٍ وَلَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً اهـ ح ل فِي السِّيرَةِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قُيِّدَ) أَيْ مَا فِي الْمِنْهَاجِ فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي أَنَّهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ زِيَادَةً عَلَى كَوْنِهِمْ خَوَارِجَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ ع ش: فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ) شُرُوعٌ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ. . . إلَخْ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا دِمَاءَنَا أَوْ أَمْوَالَنَا بِلَا تَأْوِيلٍ وَقَضَاؤُهُمْ مَقْبُولٌ بِشَرْطَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا فَيَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا قَضَوْا بِمَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا.

الثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا. . . إلَخْ.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ) صَنِيعُ م ر يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَائِهِمْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَقَضَاؤُهُمْ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِمُوَافِقِيهِمْ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ بِتَصْدِيقِهِمْ كَذَا فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَصْدِيقِهِ وَلَا يُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْجَمْعِ قَبْلَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ: بِتَصْدِيقِهِمْ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَشْهَدُونَ لِمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ بِسَبَبِ تَصْدِيقِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>